السحر ومدى تأثيره وكيفية علاجه

السؤال:

نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة المستمعة هدى ، أختنا عرضنا جزءاً من أسئلتها في حلقتين مضتا وفي هذه الحلقة بقي لها مجموعة من الأسئلة نرجو أن نتمكن من عرض بعض منها.

في سؤالها الأول تقول: كيف يؤثر السحر على الناس مع أنه لا يحصل شيء إلا بإذن الله تعالى، وهل يجوز أن أذهب إلى شيخ لأرى هل من أحد ضرني إذا كنت أشك في ذلك؟ أرجو الإفادة والتوضيح جزاكم الله خيراً؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد دل كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام على أن السحر قد يقع بالنسبة إلى بعض الناس وقد يؤثر في المسحور بإذن الله  كما قال الله : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102].

فبين سبحانه أنهم قد يضرون به لكن بإذن الله، يعني بقضاء الله وقدره، ثم قال بعدها: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ [البقرة:102]، يعني: اعتاضه مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]، يعني: باعوا أنفسهم لو كانوا يعلمون، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:103].

فهذا يدل على خطر السحر، وأن صاحبه لا خلاق له عند الله، يعني: لاحظ له ولا نصيب، وأنه ضد الإيمان وضد التقوى وأنه كفر، كما قال عن الملكين أنهم يقولان لمن يتعلم: إنه كفر، فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا [البقرة:102]، يعني: للمتعلم: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102].

فدل ذلك على أن تعلم السحر وتعليمه والعمل به كفر -نسأل الله العافية- وما ذاك إلا لأنه عبادة للشياطين وتقرب إليهم بالذبائح والنذور والدعاء والاستغاثة ونحو ذلك، فلا يكون الساحر ساحرًا إلا بتقربه للشياطين والجن وعبادتهم من دون الله  فقد يقع تأثر في المسحور ببغضه لزوجته، أو بغضها لزوجها إذا كانت هي المسحورة؛ ولهذا قال سبحانه: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] بين المرء يعني: الرجل، وزوجه يعني: زوجته، وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، يعني: لا يضر السحرة أحداً إلا بإذن الله يعني بمشيئته  .

فدل ذلك على أن ما يقع من الضرر بمشيئة الله ليس من قدرة الساحر، بل الساحر سبب، والله جل وعلا هو مقدر الأمور سبحانه وتعالى وهو الذي قضاها بحكمته وقدره السابق سبحانه وتعالى، وكل ما في الوجود فهو بمشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، من كفر وسحر ومعاصي وطاعات كله بقدر الله  وله الحكمة البالغة جل وعلا، كما قال : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فالأمور كلها بيده ولا يقع منها شيء في هذه الدنيا إلا بمشيئته سبحانه وتعالى وقدره السابق، فالطاعات بقدره السابق والمعاصي بقدره السابق والعبد له اختيار وله مشيئة يفعل ويختار، ويعرف ما يضره وما ينفعه فهو مؤاخذ باختياره إذا اختار ما يضره، كما أنه مثاب إذا اختار ما ينفعه من طاعات الله ، ولكنه مع هذا تابع لمشيئة الله، كما قال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير:28] وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، قال سبحانه: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ [المدثر:55] وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر:56] .

وقد يكون السحر تخييلًا وتزويرًا ليس له أثر في بدن الإنسان، كما قال جل وعلا في قصة موسى وفرعون: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66]، فهم أوجدوا حبالًا وعصيًا أمام الناس فظنها الناس حيات في الأرض، وإنما هي حبال وعصي، لكن خيل للناس أنها حيات لما فعلوا من التزوير والتضليل على عيونهم بأشياء عرفوها وأقدرهم الله عليها، حتى ظن العصي والحبال ظنها المشاهدون حيات وخافوا منها، والحقيقة أنها ليست حيات، ولكنها حبال وعصي؛ ولهذا يقول سبحانه: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66]، بخلاف يد موسى فإنها حقيقة، وبخلاف عصاه فإنها حقيقة، جعل الله العصا حية تسعى، ثم أعادها سبحانه سيرتها الأولى جل وعلا، وهكذا يده جعلها بيضاء ليس فيها مرض ولكنه آية، فعرفت بهذا أيها السائل وأيها المستمع أن السحر له حالان:

إحداهما: حقيقية تؤثر في المسحور بمرض أو قتل أو بغضاء بينه وبين صاحبه أو بينه وبين زوجته.
والحال الثاني: تخييل وتزوير، وليس لها أثر في نفس الإنسان، ولكنه يخيل إليه أن زوجته غير زوجته، وأن أخاه غير أخاه، وأن صاحبه غير صاحبه وهكذا، فيخيل إليه أشياء تنفره من صاحبه، وتنفره من زوجته، أو تنفرها من زوجها بسبب ما وضعوا من الأشياء التي شوهت منظر الزوج أو الزوجة أو الصاحب؛ حتى صار غير حاله الأولى، فوقعت البغضاء والتغير والتكدر لما حصل من التزوير والتخييل من الساحر بين هذا وهذا، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وله علاج والحمد لله، الله جعل له علاجًا من القرآن الكريم؛ فإن الله جعل في القرآن شفاء من كل داء، فالقراءة على المسحور من آيات الله التي نزلت في السحر وآية الكرسي، و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وسورة المعوذتين، هذه إذا قرئت على المسحور وعليه بها ودعي له بالعافية ينفعه الله بذلك، أو تقرأ في ماء ينفث في الماء آيات السحر التي في الأعراف، والتي في يونس، والتي في طه، ثم يقرأ معها آية الكرسي و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين، ثم يشرب منها المسحور أو المسحورة أو المحبوس عن زوجته ثلاث حسوات، ثم يغتسل بالباقي، هذا بإذن الله مجرب لزوال السحر وزوال الحبس الذي حبس عن زوجته، هذا مجرب وواقع والحمد لله، وهو من الدواء النافع المجدي الناجع بحمد الله.

وقد يعرف المسحور من سحره في مسامير ينظم بعضها في بعض، أو في شعر عقد بعضه ببعض أو خرق أو أشباه ذلك قد يعرفها المسحور، فإذا عرفها وأزالها بطل السحر، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والآيات التي تقرأ من سورة الأعراف قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ۝ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ [الأعراف:119]، ومن سورة يونس: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [يونس:79] فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80] فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:82]، وفي سورة طه يقول سبحانه: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ۝ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ۝ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ۝ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ۝ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69]، فهذه الآيات وآية الكرسي و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1.

كلها تقرأ في الماء أو على المسحور أو المحبوس عن زوجته، ويدعى له بالشفاء والعافية بالدعاء المشهور الذي علمه النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام، اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا، وإذا كررها ثلاثًا كان أحسن؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا دعا دعا ثلاثًا، وهكذا الدعاء المشهور الذي رقى به جبرائيل النبي عليه الصلاة والسلام باسم الله أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك، هذا أيضًا ينبغي أن يكرر ثلاثًا، كما فعل جبرائيل مع النبي ﷺ فإنه رقاه بهذه الرقية العظيمة، باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك، وإذا دعا له معه بدعوات أخرى فلا بأس، من الدعوات الطيبة، كاللهم اشفه وعافه، اللهم أزل عنه السوء، اللهم أبرئه من مرضه، نحو هذه الدعوات لا بأس، كله طيب. 

المقدم: بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، شيخ عبد العزيز كون السحر يقع هل يخرج عن قدرة الله وإرادته؟

الشيخ: مثلما تقدم، كله بمشيئة الله، مثلما قال سبحانه: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] .
فالشيء كله بإذن الله وقضائه، إذا أراده سبحانه وقع، وإذا ما أراده لم يقع، ولو فعل الساحر ما فعل. 

وهناك أشياء ينبغي التحرز منها ومن غير هؤلاء وهي: التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق صباحًا ومساء ثلاث مرات، وقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحًا ومساء، كل هذا من أسباب السلامة من السحر والعين وغير ذلك، كذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة وقراءتها عند النوم، كذلك قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة مرة، وبعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، كل هذا من أسباب العافية من كل سوء بإذن الله عز وجل. 

المقدم: جزاكم الله خيرًا، شيخ عبد العزيز سمعت من بعض طلبة العلم إنكاره للسحر حتى أنه قال: ائتوا بالسحرة ليسحروني إن كانوا صادقين، توجيهكم لو سمحتوا ولاسيما إذا كانت هذه العبارة من شخصٍ مشهور وله شعبية لا بأس بها؟

الشيخ: هذا جهل وغلط، هذه المقالة تصدر عن جهل، فقد سحر النبي ﷺ وهو أفضل الخلق، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أنه سحر وعافاه الله من ذلك وشفاه الله سبحانه وتعالى، هذا شيء معروف، وقد أجمع المسلمون على أنه يقع بإذن الله سبحانه وتعالى، لكن بعضه يؤثر على المريض وبعضه بالتخييل كما تقدم.

المقدم: طيب جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة