الحكمة من إدخال قبر الرسول ﷺ في المسجد؟

س: من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول ﷺ وبعض صحابته في المسجد النبوي؟

ج: قد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق على صحته، وثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله ﷺ كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال ﷺ: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله متفق عليه.
وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك.
وروى مسلم أيضا عن جابر عن النبي ﷺ أنه نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها؛ لأن ذلك من أسباب الشرك بها وعبادة سكانها من دون الله، كما قد وقع ذلك قديما وحديثا.
فالواجب على المسلمين أينما كانوا أن يحذروا مما نهى رسول الله ﷺ عنه، وألا يغتروا بما فعله كثير من الناس، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، والحق يعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم، والرسول محمد ﷺ وصاحباه -رضي الله عنهما- لم يدفنوا في المسجد، وإنما دفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبدالملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول، ولا يعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد؛ لأن الرسول ﷺ وصاحبيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها أو الدفن فيها لما ذكرته آنفا من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك، وعمل الوليد ليس فيه حجة على ما يخالف السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ، والله ولي التوفيق[1].

  1. كتاب الدعوة: (1/ 24-26)، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 337).
فتاوى ذات صلة