واجب النصيحة لمعتقدي النفع في الأموات

السؤال: 

من جمهورية مصر العربية، مدينة السلوم، محافظة مطروح، هذه رسالة بعث بها مستمع من هناك يقول: فتحي محمد مؤمن، الأخ فتحي ضمن رسالته جمعًا من الأسئلة في أحدها يقول: أنا أعيش في مكان يوجد فيه أناس يدعون أنهم من المسلمين، يصلون، ويزكون، ويصومون، ويحجون، ولكنهم يعتقدون في الأموات، ويقول: إن الولي الميت، أو الشيخ واسطة عند الله، ويتبركون به، ويستعينون بهذا الميت الولي، ويزورونه، وينذرون له النذر، ويشدون إليهم الرحال، وإذا نصحتهم قالوا: هؤلاء أولياء يجب التقرب إليهم، ويكرهون من يمنعهم، وينصحهم بأن لا يعبدون الأموات والأولياء، ماذا نفعل؟ وهل نتركهم على ما هم عليه؟ جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

هذه مصيبة عظيمة واقعة في بلدان كثيرة، والواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك، حتى يعلم هؤلاء العوام بطلان ما هم عليه، كونه يصلي ويحج ويصوم ويزكي، ثم يعبد غير الله، هذا يبطل عمله، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، والذبح لهم؛ هذا شرك أكبر ينافي التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، وينافي ما دلت عليه الآيات من وجوب إخلاص العبادة لله، كما في قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقوله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة:21] .. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3] .. فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] .. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] فجعل دعاءهم للأموات، والأصنام، والأشجار، والأحجار شركًا بالله، عز وجل.

فالواجب تنبيه هؤلاء، وتحذيرهم، وحث العلماء على تنبيههم، وتحذيرهم، حتى يتبصروا، ويعلموا أنهم على باطل، وعلى شرك، وأن صلاتهم تحبط بذلك، وهكذا صومهم وزكاتهم، وحجهم، وأعمالهم الأخرى، حتى يخلصوا العبادة لله وحده، وقد بعث الله نبيه ﷺ إلى الناس ليخلصهم من هذا الشرك، فأقام في مكة عشر سنين يدعوهم إلى توحيد الله، وإلى ترك دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والأصنام، والأشجار، والأحجار، ويقول: يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا قبل أن تفرض الصلاة، فلما فرضت الصلاة في مكة؛ مكث بعد ذلك مدة يدعوهم إلى توحيد الله، ثم هاجر إلى المدينة، ولم يزل يدعو إلى الله، وإلى توحيده .

فالواجب عليك يا أخي! أن تحرص على دعوة هؤلاء، وإرشادهم بالحكمة والصبر والأسلوب الحسن؛ لعل الله يهديهم بأسبابك، يقول النبي ﷺ: من دل على خير؛ فله مثل أجر فاعله ويقول ﷺ لعلي لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود يقول: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا؛ خير لك من حمر النعم.

فدعوة الأموات بقول: يا سيدي اشف مريضي، أو انصرني، أو المدد المدد يا فلان، أو بالنذر لهم، أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة، كله شرك بالله، وهكذا الذبح لهم، ذبح البقر، أو الغنم، أو الدجاج، أو غير ذلك، يقول الرسول ﷺ: لعن الله من ذبح لغير الله والله يقول سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي يعني: ذبحي: وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. 

فالذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، والذي يذبح للأموات يتقرب إليهم مثل الذي يصلي لهم، وهكذا من ينذر لهم القرابين، إن شفى الله مريضي؛ فللسيد فلان كذا، فله ذبيحة، له ثور، وله كذا، أو يا سيدي البدوي اشف مريضي، أو المدد المدد، أو يا سيدي الحسين، أو يا شيخ عبد القادر ، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو انصرنا، أو ما أشبه ذلك كل هذا من الشرك الأكبر.

فالواجب الحذر، والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس ذلك، وأن ينصحوهم، وأن يرشدوهم إلى الحق والصواب، وأن يصبروا على جهلهم، وأذاهم؛ حتى يتعلموا، حتى يستفيدوا، هكذا كان الرسل يصبرون، وهم أفضل الخلق -عليهم الصلاة والسلام- أولاهم أقوامهم، فربما قتلوهم على ذلك، ومع هذا صبروا -عليهم الصلاة والسلام- وبلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة؛ حتى قبضهم الله -عليهم الصلاة والسلام- وخاتمهم نبينا محمد ﷺ وهو أفضلهم، قد صبر على قومه ثلاثة وعشرين سنة، وهو يدعوهم إلى الله حتى هدى الله على يديه من هدى، وحتى أكمل الله به الدين، وأتم عليه النعمة.

فالواجب التأسي به في ذلك -عليه الصلاة والسلام- والصبر على الدعوة والتوجيه والإرشاد؛ رجاء ما عند الله من المثوبة. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم. 

فتاوى ذات صلة