معنى حديث: (لا عدوى ولا طيرة ..)

السؤال:

نعود في هذه الحلقة سماحة الشيخ إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من العراق بغداد باعث الرسالة يقول: أخوكم في الله (ر. س. س) له بعض الأسئلة، في أحدها يقول: قرأت في كتاب التوحيد هذا الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر أخرجاه.

السؤال: ماذا يقصد ﷺ بقوله: لا عدوى، والعلم الحديث قد أثبت أن كثيرًا من الأمراض تنتقل بالعدوى، وضحوا لي هذا الأمر؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحديث المذكور صحيح خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم: ولا نوء، ولا غول، زاد في الحديث أيضًا: ويعجبني الفأل، قيل: يا رسول الله ما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة.

فالعدوى التي نفاها الرسول ﷺ هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة أن الأمور تعدي بطبعها من دون قضاء الله وقدره سبحانه، وأن انتقال الجرب أو الجذام من شخص إلى شخص، أو من دابة إلى دابة؛ أن هذا طبعي لا دخل لقدر الله في ذلك، ولا لفعله في ذلك ؛ وهذا باطل، فلا انتقال من عين إلى عين في الجرب وغيره إلا بإذن الله ..... وقدره السابق سبحانه وحكمته ؛ ولهذا لما قال بعض البادية: يا رسول الله.. لما سمع لا عدوى قال: «يا رسول الله! الإبل الكثيرة يكون فيها البعير الأجرب فتجرب كلها قال ﷺ: فمن أعدى الأول يعني: من الذي أنزل الجرب بالأول؟ الله هو الذي أنزله لحكمة بالغة، فالذي أنزله بالأول هو الذي أنزله في البقية؛ ولهذا قال ﷺ: لا يورد ممرض على مصح يعني: لا يورد صاحب إبل مراض إبله على صاحب إبل صحاح؛ لأن هذا وسيلة لانتقال المرض.

وقال عليه الصلاة والسلام: فر من المجذوم فرارك من الأسد لأن الجذام ينتقل، هذا معناه إقرار الانتقال لكن ليس على العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة؛ قد ينتقل عند المخالطة، إذا خالط الأجرب الصحيح؛ والمجذوم الصحيح قد ينتقل، وهكذا أمراض أخرى عند الاختلاط قد ينتقل، وقد لا ينتقل؛ وهو ليس بلازم، لكن إذا أبعد الصحيحة عن المريض يكون هذا هو الأولى كما أمر النبي ﷺ قال: لا يورد هذا نهي من النبي ﷺ لا يورد ممرض على مصح، وقال آمرًا: فر من المجذوم فرارك من الأسد.

فالمعنى: أبعدوا المريض عن الصحيح إذا كان يخشى منه العدوى لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا عدوى، وأن انتقاله إذا انتقل ليس لأنه يعدي بطبعه، وأنه ليس بإذن الله، ولا بمشيئة الله لا، بل ينتقل لكن بمشيئة الله وبإذنه وقدره ، لا أحد يستطيع أن ينقل شيئًا إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حيوان ولا إنسان ولا غير ذلك، كل شيء بقضاء وقدر يقول النبي ﷺ: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، ويقول الله في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا[الحديد:22]، ويقول جل وعلا: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر:49].

فالمقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها: الصحة، والمرض، والسفر، والإقامة، والولد ذكرًا كان أو أنثى، والحياة والموت .. وغير ذلك كلها بأقدار ماضية من الله  يقول النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء فالأمور كلها مقدرة، فكون هذا البعير يمرض، أو هذا الفرس، أو هذا الإنسان .. بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط هذا المريض فيصاب بمرضه .. هذا بقدر، وليس بلازم، قد يقع قد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب، وقد يكون الإنسان مع المجذوم، ولا يصاب بالجذام، وقد جاء عنه ﷺ أنه أخذ بيد مجذوم، وهو يأكل فقال: كل باسم الله، ثقة بالله ولم يجذم عليه الصلاة والسلام، فالإنسان إذا خالطهم لبيان أن الله جل وعلا هو المقدر، وليعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى، ولكن بمشيئة الله، إذا فعل ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله فهو سبحانه جواد كريم الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة التي بيَّنها رسوله ﷺ.

والخلاصة: أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية يعني: لا عدوى بالطبع ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال قد تقع بمشيئة الله وإذنه بسبب الاختلاط بين المرضى والأصحاء في بعض الأحيان. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.

فتاوى ذات صلة