تفسير قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها...}

السؤال:

من المستمع خالد إبراهيم من مكة المكرمة رسالة وضمنها بعض الأسئلة، في أحدها يقول: نرجو من سماحتكم أن تفسروا قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71] لأن بعض الناس يسيئون فهمها، فيعتقدون أن الناس كلهم سوف يدخلون النار، وكلهم سوف يحاسب بعمله، فإن شاء الله أخرج من يشاء، ويبقي من يشاء، جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

هذه الآية الكريمة فسرها النبي ﷺ وهي قوله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] يعني: النار، كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71] ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:72] فسرها النبي ﷺ بأن الورود المرور والعرض عليها، هذا هو الورود، يعني: مرور المسلمين عليها إلى الجنة، ولا يضرهم ذلك، منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب، تجري بهم أعمالهم، ولا يدخلون النار، المؤمن لا يدخل النار، بل يمر مرورًا لا يضره ذلك.

فالصراط جسر على متن جهنم، يمر عليه الناس، وقد يسقط بعض الناس؛ لشدة معاصيه، وكثرة معاصيه، فيعاقب بقدر معاصيه، ثم يخرجه الله من النار إذا كان موحدًا مؤمنًا، وأما الكفار فلا يمرون، بل يساقون إلى النار، ويحشرون إليها، نعوذ بالله من ذلك.

لكن بعض العصاة الذين لم يعف الله عنهم قد يسقط بمعاصيه التي مات عليها، لم يتب كالزنا، وشرب المسكر، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأشباه ذلك من المعاصي الكبيرة، صاحبها تحت مشيئة الله، كما قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

فهو سبحانه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، ولكنه يغفر ما دون ذلك من المعاصي لمن يشاء  وبعض أهل المعاصي لا يغفر له، يدخل النار، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقد صح عن رسول الله ﷺ في الأحاديث الكثيرة أن بعض العصاة يدخل النار، ويقيم فيها ما شاء الله، فقد تطول إقامته لكثرة معاصيه التي لم يتب منها، وقد تقل.

ويشفع النبي ﷺ في العصاة عدة شفاعات، يحد الله له حدًا فيخرجهم من النار فضلًا منه عليهم؛ لأنهم ماتوا على التوحيد والإسلام، لكن لهم معاصي لم يتوبوا منها، وهكذا تشفع الملائكة، يشفع المؤمنون، يشفع الأفراط، ويبقى أناس في النار من العصاة لا يخرجون بالشفاعة، فيخرجهم الله -جل وعلا- فضلًا منه  يخرجهم من النار بفضله؛ لأنهم ماتوا على التوحيد، ماتوا على الإسلام، لكن لهم معاص ماتوا عليها، لم يتوبوا، فعذبوا من أجلها، ثم بعد مضي المدة التي كتبها الله عليهم، وبعد تطهيرهم بالنار يخرجهم الله من النار إلى الجنة؛ فضلًا منه .

وبما ذكرنا يتضح معنى الورود، وأن قوله سبحانه: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] يعني: المرور فقط لأهل الإيمان، وأن بعض العصاة قد يسقط في النار، ولهذا في الحديث: فناج مسلم، ومكدس في النار فالمؤمن السليم ينجو، وبعض العصاة كذلك، وبعض العصاة قد يخر، ويسقط، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة