حكم من حنث في يمينه لأمر أبيه، وحكم كلمة "يا مولاي"

السؤال:

من المستمع محمد إدريس محمد سوداني بعث برسالة بدأها بقوله: إلى حضرة مولاي الموجه والمجيب على أسئلة المستمعين وفقه الله:

لقد حصل في يوم من الأيام أن أقسمت بالله ثلاثًا ألا أعمل هذا الشيء، لكن والدي أصر علي بالعمل ففعلت، ماذا يجب علي؟ جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

عليك كفارة اليمين، إذا حلفت أنك لا تفعل هذا الشيء وهو مباح في نفسه، كأن حلفت أنك لا تكلم فلان أو لا تزور فلان، أو لا تأكل طعام فلان، وليس هناك مانع شرعي من زيارته ولا أكل طعامه، ثم رأيت أن تزوره وتأكل طعامه، أو أكد عليك والدك في ذلك؛ فإنك تكفر عن يمينك، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن عجز صام ثلاثة أيام، كما بينه الله في كتابه العظيم في سورة المائدة.

وهكذا لو ما ألزم عليك والدك يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح لـعبد الرحمن بن سمرة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير، ويقول ﷺ: والله! إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير هذه السنة، إذا حلفت على شيء ثم رأيت المصلحة في الحنث؛ فإنك تحنث وتكفر عن يمينك، بما شرع الله في قوله سبحانه في سورة المائدة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] الآية.

فبين أن الكفارة هي ما بينه جل وعلا من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة يعني: عتق رقبة، فمن عجز عن هذا ولم يستطع صام ثلاثة أيام، والناس أعلم بأحوالهم فإذا رأى أن يمينه تشق عليه أو فيها ضرر عليه، أو فيها إغضاب لوالده أو لأمه أو نحو ذلك أو رأى المصلحة في الحنث فيها لأمر آخر كفر عن يمينه وأتى ما هو الأفضل والأصلح.

إلا أن يكون إثمًا فعليه أن يحذر الإثم كما لو قال: والله! لا أشرب الخمر، والله! لا أدخن، فإنه في هذه اليمين قد أحسن في هذه اليمين، فالواجب عليه تنفيذها وعدم الحنث، ولو قال له والده: احنث. ليس له أن يطيع والده ولا غير والده؛ لأن التدخين محرم وفيه مضار كثيرة، وشرب الخمر كذلك محرم بالنص من القرآن والسنة، فلا يجوز له أن يعود إليه، حتى ولو ما حلف، الواجب عليه أن يحذر التدخين ويحذر الخمر ولو لم يحلف، فإذا حلف صار تأكيدًا لذلك، فليس له أن يحنث، ولو حنث وفعل فعليه كفارة يمين مع الإثم ومع التوبة إلى الله .

وقد قلت في أول السؤال: يا مولاي وهذه كلمة ينبغي تركها؛ لأن الرسول ﷺ صح عنه أنه قال: لا يقولن أحدكم مولاي؛ فإن مولاكم الله وقال في العبد: لا يقل: ربي، وليقل: سيدي ومولاي يقول: في سيده الذي هو المالك فأخذ بعض العلماء أن النهي ليس للتحريم في لا يقل: مولاي لأنه ﷺ أذن للعبد أن يقول: سيدي ومولاي، فالعبد له شأن والناس لهم شأن.

فالأولى ترك هذه الكلمة والأحوط تركها، أما المملوك فله أن يقولها لسيده: يا مولاي أو يا سيدي لا بأس أن يقولها، أو يا عمي كما يقول الناس اليوم، أما أنت وأنت لست مملوكًا فتخاطب الناس بغيرها تقول: يا فلان أو يا أبا فلان أو يا شيخ فلان، أو القاضي فلان.. أو ما أشبه ذلك، تخاطبه بالألقاب المعروفة، غير مولاي وغير سيدي، حتى سيدي تركها أولى؛ لأن الرسول ﷺ قال لما قيل له: يا سيدنا قال: السيد الله تبارك وتعالى، كره أن يخاطب بهذا، وإن كان هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وأفضل الناس لكن خاف أن يغلوا فيه، خشي عليهم من الغلو فقال: السيد الله قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله ، يعني: عبد الله ورسوله، مع أنه سيد ولد آدم كما قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأفضل الخلق ولكن تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام وخوفًا على أمته من الغلو أرشدهم إلى ألا يخاطبوه بقول: يا سيدنا.

أما إذا قيل: هو سيد ولد آدم، أو قيل: هو سيدنا فلا بأس من غير خطاب له؛ لأنه قد توفي عليه الصلاة والسلام وكره هذا في حياته أن يخاطب بهذا عليه الصلاة والسلام.

أما إذا قاله واحد منا اليوم: سيدنا محمد، أو اللهم صل على سيدنا؛ فهذا لا بأس به؛ لأنه حق ليس فيه محذور، لكن لا يقال في الأشياء التي وردت وليس فيها ذكر، لا يحدث في أشياء شرعها الله ليس فيها أجر السيادة بل يقتصر على الوارد، فلا يقال في الأذان: نشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، ولا يقال في الإقامة كذلك؛ لأن هذا لم يرد في الأذان ولا في الإقامة، فيقتصر على ما ورد يقال: أشهد أن محمدًا رسول الله في الأذان والإقامة.

وهكذا في التحيات، اللهم صل على محمد، وهكذا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله في التحيات في التشهد؛ لأن هذا هو الوارد، فالأفضل ألا يقول ذلك، وهكذا في الأذان؛ لأنه ورد بغير ذكر السيادة فيقول كما كان المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، هكذا كان المؤذنون في عهده ﷺ وعهد أصحابه، فعلينا أن نسير على نهجهم في ذلك، هذا هو المشروع لنا، لكن في عرض كلامنا العادي عند ذكر الحديث، وعند ذكره ﷺ، اللهم صل على سيدنا محمد أو في الخطبة لا بأس بذلك ولا حرج في ذلك، من قالها فلا حرج ومن تركها فلا حرج.

ولا ينبغي أن يظن في حق من تركها أنه جافي هذا غلط، فمن قالها فلا بأس ومن تركها فلا بأس، فإذا قال: اللهم صل على نبينا محمد أو على عبدك ورسولك محمد فكله حق كله صحيح وكله طيب، ولو لم يقل: سيدنا، وإن قال: اللهم صل على سيدنا محمد أو سيد ولد آدم فكله حق لا بأس بذلك كله حق ومشروع، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه. نعم.

المقدم: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.

فتاوى ذات صلة