تفسير سورة القارعة

السؤال:

أخونا يسأل عن تفسير قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ۝ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ۝ نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11]؟ 
 

الجواب:

الله سبحانه ذكر القارعة، وهي القيامة فقال: الْقَارِعَةُ ۝ مَا الْقَارِعَةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-3] يعظم شأنها وأن شأنها عظيم كما قال سبحانه: الْحَاقَّةُ ۝ مَا الْحَاقَّةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3] وهي يوم القيامة؛ لأن أمرها عظيم وخطير، وقال فيها جل وعلا: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ۝ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى [النازعات:34-35] وهي القيامة، وقال: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ۝ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:33-36] وهي القيامة أيضًا صاخة، وهي الغاشية في قوله سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1].

فيوم القيامة يوم عظيم يحاسب فيه العباد، وتنشر فيه الموازين، ويعطى المؤمن كتابه بيمينه والكافر كتابه بشماله؛ ولهذا قال سبحانه: الْقَارِعَةُ ۝ مَا الْقَارِعَةُ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ۝ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4] كالجراد ونحوه كالدبا ونحوه هذه الطيور الصغيرة المنتشرة في الأرض إذا اجتمعت يموج بعضه في بعض.

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:5] الصوف المنفوش بعد قوتها وصلابتها العظيمة تكون كالعهن المنفوش، وتكون كالهباء، وتسير وتزول عن أماكنها وتبقى الأرض خالية من ذلك.

ثم قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [القارعة:6] في ذلك اليوم يوم القيامة يوم الحشر يوم الجمع يوم التغابن فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:7]، يعني من ثقلت موازينه يعني: بالحسنات والأعمال الصالحات فهو في عيشة راضية، يعني: فله السعادة والخير العظيم وسوف يكون إلى الجنة في عيشة راضية في نعيم مقيم.

وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [القارعة:8] بسبب كفره وضلاله وعدم إيمانه فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:9] يعني: النار نعوذ بالله، ولهذا قال بعده: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ۝ نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:10-11].

هذه عاقبة هؤلاء وهؤلاء، عاقبة أهل الحسنات الجنة والكرامة إذا ثقلت موازينهم بها وخفت موازين السيئات وعاقبة الكفار ومن خفت موازينهم من أهل المعاصي بسبب معاصيهم الكثيرة حتى ثقلت موازينهم السيئة وخفت موازين الحسنات فالوعيد لهم النار، نسأل الله العافية، لكن الكفار يخلدون في النار أبد الآباد.

أما العصاة فلا يخلدون، إن دخلوا النار بسبب معاصيهم لا يخلدون، وقد تثقل موازين بعضهم بالحسنات فينجون من النار، ويغفر لهم ما جرى منهم من معصية، وقد يشفع لهم، يشفع لهم الأنبياء والأخيار والأفراط والملائكة بأعمالهم العظيمة الصالحة وإيمانهم بالله فينجون من شر ما ماتوا عليه من بعض المعاصي، وكثير من العصاة يدخلون النار بمعاصيهم من الزنا والسرقة أو الخمر أو العقوق للوالدين أو أحدهما أو الربا أو الغيبة والنميمة.. أو غير هذا من المعاصي، كثير من هؤلاء العصاة يدخلون النار ويعذبون فيها على قدر معاصيهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء فيخرج الله منهم من شاء بشفاعة نبينا ﷺ وبشفاعة الملائكة والمؤمنين والأفراط ثم يبقى منهم بقية في النار يخرجهم الله برحمته ، بعد انتهاء أمد عذابهم، ولا يبقى في النار إلا الكفار، فعليهم تطبق وفيها يخلدون نعوذ بالله، وليس لهم محيص عنها كما قال في شأن الكفرة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37]، نسأل الله العافية.

وقال فيهم أيضًا : كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] هذه حال الكفرة، أما العصاة فلهم أمد إذا دخلوا النار لهم أمد على قدر معاصيهم فإذا انتهى الأمد أخرجهم الله من النار إلى الجنة بسبب توحيدهم وإيمانهم الذي ماتوا عليه، هذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان خلافًا لأهل البدع الذين يعتقدون خلود العصاة في النار، من الخوارج والمعتزلة ومن سار في طريقهم، نعوذ بالله من ذلك. نعم. 

فتاوى ذات صلة