عيب في الزوج لم يخبر به، فما حكم النكاح؟

السؤال:

رسالة مطولة بعض الشيء بعثت بها إحدى الأخوات المستمعات تقول: المرسلة (س. م. ج) من مكة، سأقرأ رسالتها كما وردت: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ! حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أرجو من سماحتكم أن توجهوا كلمة لهذه الإنسانة البائسة الحزينة تصبرونها بها وترفعون من معنوياتها؛ حيث أنها ستموت قهرًا وحسرة وألمًا مما حدث معها.

تزوجت من رجل اختارته؛ لأنه يماثلها في المستوى الثقافي والاجتماعي، فهي جامعية وهو جامعي، جاءت به محرمًا معها للعمل بالتدريس بالمملكة، واستمر زواجها سنة وتسعة أشهر، عاشت معه سنة عند أهله حيث كان خجلًا لا ينكشف عليها، وإذا أراد معاشرتها لا تلحظ منه شيئًا، وهي لا تدري ما السبب، ثم اتضح فيما بعد أنه مخصي، ولذا كان يخفي حقيقة أمره عنها، وهي تنوه إلى أنه كان متزوجًا قبلها بامرأة أيضًا، وانفصلت عنه، ولكن في الزواج الثاني نجح في اصطياد فريسته بالتضليل والغش والخداع، فعمل احتياطاته كي تعيش معه الثانية دون أن تلحظ ما به، ولكن لسوء حظه انكشف أمره في الفندق حينما كانا يجهزان للسفر للمملكة، ففكرت أن ترجع لأهلها وتبلغهم بذلك، وتنفصل عنه، ولكنها عدلت عن تلك الفكرة حيث أنها اعتقدت أن ذلك قد يتطلب منها إرجاع ما خسره عليها من تكاليف الزواج، واستمرت في رحلتها للمملكة، واستمرت معه التسعة أشهر الأخيرة، ثم في انتهاء العطلة الدراسية رفعت الدعوة للقاضي الذي فصل بينهما وأرجع للزوج منها عشرة آلاف ريال.

وهي تتساءل وتقول: هل من الممكن أن نشجع الغش والخداع مع مثل هؤلاء، فنعطيهم أيضًا مكافأة غشهم وخداعهم، لقد قال رسول الله ﷺ: من غشنا فليس منا وهو لو لم يخادعها ويغشها لعاشت معه حتى لو لم ينجب الأولاد، ولكن لأنه خدعها وغشها فقد تركته غير آسفة عليه، ولكن ما قهرها هو دفعها للعشرة آلاف ريال.

إنها تحس بالظلم في تلك القضية، ومثل هذا الحكم سيشجعه على الزواج من الثالثة والرابعة والخامسة.. إلى آخر، دون أن يصارحها بحقيقة أمره طالما أنه يضمن إرجاع المهر له، والعجيب في ذلك الغش أنه قد يذهب بالمرأة في متاهات مثلما حدث مع الثانية التي كانت تعتقد أن إعاقة الحمل منها، فغررت بها أمه وذهبت بها للأطباء، وادعى طبيب منهم أنه لا بد من إجراء عملية جراحية للمرأة، وفعلًا عملها لها الطبيب وهو ساكت ولم يقل الحقيقة، وأمه أيضًا تعرف ولكن لا تريد أن تثبت على ابنها شيئًا.

فما رأي سماحتكم في تلك القضية؟ وماذا تقولون لهذه المظلومة؟ وماذا تقولون لأمثال هؤلاء الشبان الذين لا يصارحون زوجاتهم؟ وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب:

لا ريب أن الخداع والغش من المحرمات المعلومة من الإسلام بالأدلة الصحيحة وبالضرورة، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: من غشنا فليس منا، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، فالواجب على الخاطب أن يبين الحقيقة، وأن لا يكتم عن المخطوبة ما هو عيب مثل هذا الحادث، بل يشرح لها الحقيقة حتى تكون على بينة، إذا كان به عيب الخصية، أو عيب آخر وهو كونه لا يأتي النساء من أجل مرض آخر أو علة أخرى، أو كونه يصرع، أو ما أشبه ذلك من العيوب المعروفة.

فالواجب عليه أن يبين للمرأة الحقيقة، فإذا لم يبين فلها الخيار وليس له حق في المهر، فإذا دخل بها وخلا بها فلها المهر كله، وهو الظالم، فليس له حق في ذلك.

لكن هذه دعوى منك ما نستطيع أن نحكم عليها، والقاضي الذي حكم بينكما نرجو أنه وفق للصواب، ولا ندري ما هو الشيء الذي اعتمد عليه في إلزامك بالمبلغ الذي ذكرت، فالذي أطمئنك به أنه ينبغي لك الصبر وعدم الاكتراث بهذا الشيء، واحمدي الله الذي خلصك منه، والقاضي قد يكون له اجتهاد في ذلك، وقد رأى منك ما يقتضي ذلك.

فالحاصل أنصحك بأن تسلي نفسك عن هذا الشيء، وتصبري وتحتسبي، وتسألي الله للقاضي بالعفو عما حصل إذا كان أخطأ في حكمه، وما عند الله خير وأبقى، وسوف يعوضك الله سبحانه إن شاء الله عن هذا خيرًا منه، فهو جل وعلا الحكيم العليم، والمظلوم ينتظر النصر، وما ذهب من المؤمن بغير وجه شرعي، فالله يخلفه عليه ويعوضه خيرًا، فضلًا منه وإحسانًا : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] ، فاصبري واحتسبي واسألي الله العوض من عنده  وأن يهبك زوجًا صالحًا خيرًا منه، والمال أمره سهل، الله المستعان.

المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة