تفسير قوله تعالى: {والقواعد من النساء ...}

السؤال:

رسالة وصلت إلى البرنامج من جيزان، وباعثها أخونا عبد الغني محمد عبد السلام، أخونا عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل عن تفسير قوله تعالى في سورة النور -بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم -: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60]. 

أرجو من سماحة الشيخ أن يتكرم بتفسير هذه الآية الكريمة.

الجواب:

هذه الآية الكريمة يراد منها: العجائز اللاتي قد انتهت رغبتهن في النكاح؛ فلا بأس أن يضعن ثيابهن، ولا يتحجبن تحجب الشابات إذا كن بهذه الصفة، كما قال الله : وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60] فهما شرطان: كونها من القواعد، وكونها غير متبرجة بالزينة التي تدعو الرجال إلى الميل إليها، والرغبة فيها.

ثم بين أن استعفافهن -وإن كن قواعد- خير لهن، وأبعد من الفتنة، وهذا يبين لنا أمورًا، منها: أن الشابة ليس لها أن تضع ثوبها، بل عليها أن تستتر، وأن تحتجب، كما قال الله : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] تكون ساترة لبدنها وشعرها ووجهها وأطرافها.

وهكذا قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] والجلباب: ما يطرح على المرأة من فوق رأسها تستر به بدنها، علاوة على القميص الذي عليها.

وهكذا قوله -جل وعلا-: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31].. الآية، فعليها أن تستر زينتها، ولا تبدي زينتها إلا للمحارم -كما بينه الله - والوجه من أعظم الزينة، والشعر من أعظم الزينة، تستر بدنها، وتستر شعرها ووجهها وأطرافها، إلا عن محرمها وهو أخوها وعمها ونحوهما.

أما العجوز التي لا تريد النكاح ولا تبرج بزينة؛ فلا حرج أن تطرح الثوب والجلباب الذي عليها، فيبدو وجهها مثلًا، يبدو أطرافها، أطراف يديها؛ فلا بأس بذلك، وقال بعض أهل العلم: حتى الشعر الذي هو شعر الرأس إذا كانت لا تشتهى وليست بمتزينة، ولا تريد النكاح، ولكن مثلما قال الله -استعفافها خير لها- ولو كانت كبيرة السن، ولو كانت غير متزينة ولا متبرجة، ولو كانت لا تريد النكاح؛ فإن كل ساقطة لها لاقطة، فينبغي للعجوز التعفف، ولو كانت كبيرة السن، ولو كانت غير متبرجة، ولو كانت لا تريد النكاح، كما ربنا : وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60].

لكن لو كشفت وجهها، أو طرحت عنها الجلباب الذي عليها وهي غير متبرجة، وغير تريد النكاح، وليس فيها فتنة، بل كبر السن ظاهر عليها؛ بحيث لا يميل إليها الرجال، جاز لها أن تفعل ذلك، بأن تكون مكشوفة الوجه، ليس عليها الجلباب الذي يفعله الشابات، ولكن كونها تفعل الجلباب، وكونها تستر وجهها وتستر نفسها، هذا خير لها وأكبر، وأعظم في حقها، وأبعد عن الفتنة، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة