بيان كيفية الوضوء والصلاة

السؤال:
أرجو بيان كيفية الوضوء والصلاة على ضوء ما ثبت عن النبي ﷺ لشدة الحاجة إلى ذلك. جزاكم الله خيرا؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي ﷺ ما يدل على أنه كان في أول الوضوء يغسل كفيه ثلاثا مع نية الوضوء، ويسمي لأنه المشروع، وروي عنه ﷺ من طرق كثيرة أنه قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه[1].

فيشرع للمتوضئ أن يسمي الله في أول الوضوء، وقد أوجب ذلك بعض أهل العلم مع الذكر، فإن نسي أو جهل فلا حرج، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ويغسل وجهه ثلاثا، ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثا يبدأ باليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات يبدأ باليمنى وإن اقتصر على مرة أو مرتين فلا بأس؛ لأن النبي ﷺ توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وربما غسل بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثا، وذلك يدل على أن الأمر فيه سعة والحمد لله، لكن التثليث أفضل، وهذا إذا لم يحصل بول أو غائط فإن حصل شيء من ذلك فإنه يبدأ بالاستنجاء ثم يتوضأ الوضوء المذكور.
أما الريح والنوم ومس الفرج وأكل لحم الإبل فكل ذلك لا يشرع منه الاستنجاء، بل يكفي الوضوء الشرعي الذي ذكرناه، وبعد الوضوء يشرع للمؤمن والمؤمنة أن يقولا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين لثبوت ذلك عن النبي ﷺ، ويشرع لمن توضأ أن يصلي ركعتين وتسمى سنة الوضوء، وإن صلى بعد الوضوء السنة الراتبة كفت عن سنة الوضوء.
أما كيفية الصلاة: فإنه ينوي بقلبه الصلاة التي يريد فعلها من فرض أو نفل قبل التكبير، ولا يتلفظ بالنية لعدم الدليل على ذلك بل ذلك بدعة ثم يقول: (الله أكبر) ناويا الصلاة التي كبر لها من فرض أو نفل رافعا يديه إلى حذاء منكبيه أو فروع أذنيه تأسيا بالنبي ﷺ، ويشرع له الاستفتاح بنوع من الاستفتاحات الثابتة عن النبي ﷺ ومنها: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ومنها: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، ومنها: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وهناك أنواع أخرى من الاستفتاحات صحيحة، لكن هذه الثلاثة أخصرها، وبأي نوع استفتح المصلي صلاته من الأنواع الصحيحة أجزأه ذلك.
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يسمي، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها في الأولى والثانية من الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء والجمعة والعيد وصلاة الاستسقاء وصلاة النفل، ويقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وفي الثالثة من المغرب، لصحة الأحاديث الواردة في ذلك من فعل النبي ﷺ، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة بعض الأحيان فلا بأس لأنه قد صح عن النبي ﷺ من حديث أبي سعيد ما يدل على ذلك، والأفضل أن يقرأ في الفجر من طوال المفصل، وفي العشاء والظهر والعصر من أوساطه، وأن تكون الظهر أطول من العصر، أما المغرب فيستحب أن يقرأ فيها من قصار المفصل في بعض الأحيان وفي بعضها من طواله لثبوت ذلك عن النبي ﷺ.
أما النافلة فيسلم فيها من كل ركعتين ويقرأ بعد الفاتحة ما شاء إلا سنة الفجر فإنه يستحب أن يقرأ فيها سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الأولى، وسورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الثانية بعد الفاتحة، أو يقرأ في الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ [البقرة:136] الآية من سورة البقرة بعد الفاتحة، وفي الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] الآية من سورة آل عمران. وفي سنة المغرب يقرأ السورتين المذكورتين بعد الفاتحة، وهكذا في سنة الطواف. أما صلاة الجمعة فيشرع أن يقرأ فيها بعد الفاتحة: سورة: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] في الأولى، وبسورة: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] في الثانية. أو بسورتي: (الجمعة والمنافقين)، أو بسورة: (الجمعة) في الأولى وسورة: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] في الثانية. كل هذا قد ثبت عن النبي ﷺ.
ويستحب أن يقرأ في صلاة العيد وصلاة الاستسقاء مثلما يقرأ في صلاة الجمعة، وربما قرأ ﷺ في صلاة العيد بسورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] وسورة: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر:1] بعد الفاتحة وكل ذلك واسع والحمد لله، وإن قرأ بغير هذه السور بعد الفاتحة أجزأه لقول الله سبحانه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] ولقوله ﷺ للأعرابي الذي أساء في صلاته لما علمه الفاتحة: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن[2].
وبعد القراءة يسكت سكتة لطيفة ثم يرفع يديه كما رفع عند تكبيرة الإحرام ويكبر للركوع قائلا: الله أكبر، ثم يسوي ظهره ويجعل رأسه حياله ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويقول: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، وهذا يستوي فيه المرأة والرجل جميعا، ويشرع له أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثا سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، إن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماما، وثبت عن أنس أنهم كانوا يعدون للنبي ﷺ في الركوع والسجود عشر تسبيحات، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي[3].
وجاء عنه ﷺ أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة[4]، سبوح قدوس رب الملائكة والروح[5]، فإذا قال مثل هذا فحسن لقوله ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي[6] وفي هذا اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع قائلا: سمع الله لمن حمده؛ إذا كان إماما أو منفردا، ويرفع يديه مثلما رفع في الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله سمع الله لمن حمده ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد؛ لأن هذا قد ثبت عن النبي ﷺ من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ فذلك حسن لأن الرسول ﷺ كان يقول ذلك في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام.
ومعنى (لا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك الغنى فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى والجد هو الحظ والغنى.
وأما المأموم فإنه يقول: (ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، لكن الإمام يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده أولا، وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والواجب الاعتدال في هذا الركن فلا يعجل بالسجود إذا رفع بل يعتدل ويطمئن قائما ويضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، وقال بعض أهل العلم يرسلهما، لكن الصواب أن يضعهما على صدره يضع كف اليمنى على كف اليسرى كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذا هو السنة لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا كان قائما في الصلاة يضع كفه اليمنى على اليسرى في الصلاة على صدره، كما ثبت من حديث وائل ابن حجر، ومن حديث قبيصة بن هند الطائي عن أبيه عن النبي ﷺ، وثبت مرسلًا من حديث طاوس عن الرسول ﷺ وهذا هو السنة، وإن أرسل يديه فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، لكنه ترك السنة.
ولا ينبغي للإخوان في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء؛ بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه هكذا ينبغي في هذه الأمور، وجاء في حديث سهل بن سعد المخرج في صحيح البخاري رحمه الله أنه قال: كان الرجل يؤمر أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى إذا كان قائما في الصلاة قال أبو حازم الراوي عن سهل: (لا أعلمه إلا ينمي ذلك للنبي ﷺ)[7] فدل ذلك على أنه في الصلاة إذا كان قائمًا يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، والمعنى: على كفه وطرف ذراعه، وفي هذا الجمع بينه وبين حديث وائل بن حجر وقبيصة؛ لأنه إذا وضع يده على الرسغ والساعد فقد وضعها على الذراع لأن الساعد من الذراع، وهذا يشمل القيام قبل الركوع، والقيام الذي بعد الركوع.
وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة ولا بد منه، وبعض الناس يعجل من حين يرفع ينزل ساجدًا، وهذا لا يجوز بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه: كان النبي ﷺ إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلا حتى يقول القائل قد نسي فالواجب على المصلي في الفريضة أو النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر المشروع، وهكذا بين السجدتين يطمئن ويعتدل بين السجدتين ويقول بينهما: ربي اغفر لي ربي اغفر لي ربي اغفر لي؛ كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا: (الله أكبر) بدون رفع اليدين لأن الثابت عن رسول الله ﷺ عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة: جبهته وأنفه -هذا عضو- وكفيه، وركبتيه، وعلى أصابع قدميه، قال النبي ﷺ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين[8].
هذا هو المشروع والمفروض على الرجال والنساء أن يسجدوا على الأعضاء السبعة الجبهة والأنف -هذا عضو- والكفين -يعني: اليدين- يبسطهما ويمدهما إلى القبلة، يعني: أطراف أصابعه ضاما بعضها إلى بعض. والركبتين وأطراف القدمين يعني: على أصابع القدمين باسطا لها على الأرض، يعني: أطراف الأصابع على الأرض معتمدا عليها وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل النبي ﷺ، والأفضل هو أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود وهذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح أنه يقدم ركبتيه قبل يديه لأنه ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي ﷺ أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه  وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه. فاحتج به بعض أهل العلم وقال: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف به بروك البعير لأن بروك البعير يبدأ باليدين، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل، وهذا هو الصواب: أن يسجد على ركبتيه أولا ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع فإذا رفع رفع جبهته أولا ثم يديه ثم ركبتيه، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي ﷺ وهو الجامع بين الحديثين.
وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه فالظاهر والله أعلم أنه وهم من بعض الرواة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وإنما الصواب: (وليضع ركبتيه قبل يديه) حتى يوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه، وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى، ويكرر ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه.
والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود لقول النبي ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. رواه مسلم في صحيحه والمعنى: فحري أن يستجاب لكم، وفي صحيح مسلم أيضا عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، وثبت عن الرسول ﷺ أنه قال: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا»[9]. خرجه مسلم في صحيحه.
فالركوع والسجود ليس فيهما قراءة، فلا يقرأ المصلي في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر عليه، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك الدعاء فيقول: سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى ويدعو، وكان النبي ﷺ يدعو في سجوده ويقول: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره.
ويستحب للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء الذي دعا به النبي ﷺ كما رواه مسلم في صحيحه.
وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يقول: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء. فهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح بعد قول: سبحان ربي الأعلى، ومع قول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت: كان الرسول ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
ويشرع مع هذا الإكثار من الدعاء في طلب خيري الدنيا والآخرة فلا حرج أن يطلب حاجاته الدنيوية كأن يقول: (اللهم ارزقني ذرية صالحة)، أو تقول المرأة: (اللهم ارزقني زوجا صالحا، أو ذرية طيبة، أو مالا حلالا)، أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا ويدعو فيما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في الدين، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار) وما أشبه ذلك من الدعاء فيكثر في سجوده من الدعاء ولكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إمامًا، ويقول مع ذلك في سجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي -كما تقدم- مرتين أو ثلاثا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر، ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه فيضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسطا أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته ويبسط أصابعه على ركبته هكذا السنة إذا جلس بين السجدتين يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على ركبته اليمنى ويده اليسرى على ركبته اليسرى أو فخذه اليسرى ويقول: ربي اغفر لي ربي اغفر لي ربي اغفر لي كما كان النبي ﷺ يفعل، ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني تأسيا بالنبي ﷺ.
ثم بعد ذلك يسجد الثانية قائلا: الله أكبر، ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وركبتيه وعلى أطراف قدميه كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لا يبرك بروك البهيمة بل يعتدل في السجود لقول النبي ﷺ: اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب. وقال عليه الصلاة والسلام: إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك. فالسنة أن يعتدل ويكون واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عنها ولا يبسطهما كالكلب والذئب ونحوهما، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود، ويكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عن الأرض، كما أمر بهذا النبي ﷺ، وكما فعل عليه الصلاة والسلام.
ثم يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو كما تقدم في السجود الأول ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي مثلما قال في السجود الأول.
ثم يكبر رافعا ناهضا إلى الركعة الثانية، والأفضل أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني يسميها بعض الفقهاء (جلسة الاستراحة) يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين، ولكن خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء وهذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي ﷺ، وقال بعض أهل العلم: إن هذه الجلسة تفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة مطلقا جاء النص بها ولو كان المصلي شابا وصحيحا فهي مستحبة على الصحيح، ولكنها غير واجبة وهي: جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء كما تقدم.
ثم ينهض إلى الثانية مكبرًا قائلا: الله أكبر، ثم يقرأ الفاتحة بعد أن يسمي الله ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها سورة أو آيات كما فعل في الأولى، لكن تكون القراءة في الثانية أقل من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري ، فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع، كما فعل في الركعة الأولى رافعًا يديه قائلًا: الله أكبر، ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الأول، ويكون ظهره مستويا، ويكون رأسه حيال ظهره مستويًا، هكذا كان يفعل النبي ﷺ كما في حديث أبي حميد الساعدي ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا أو خمسا أو سبعا، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي كما تقدم، وإن قال: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فحسن أيضا، وهكذا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح؛ كل هذا حسن فعله النبي ﷺ مع مراعاة الإمام عدم المشقة على المأمومين.
ثم ينهض من الركوع قائلا: سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا كما تقدم في الركعة الأولى رافعا يديه حذو منكبيه أو أذنيه ثم يقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا هو الأفضل، إن زاد فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فهو سنة فعله النبي ﷺ، وهذا الحكم عام للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، لكن المأموم عند الرفع لا يقول سمع الله لمن حمده بل يقول: ربنا ولك الحمد -كما سبق في الركعة الأولى- ثم بعد الفراغ من هذا الذكر يكبر ويخر ساجدا كما فعل في الركعة الأولى ويفعل في سجوده وجلسته بين السجدتين كما فعل في الركعة الأولى، ولا يرفع يديه عند السجود لعدم ثبوت ذلك عن النبي ﷺ، ويقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى) ويدعو بما تيسر اقتداء بالنبي ﷺ فإنه كان ﷺ يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره».
وصح عنه ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: إني نهيت أن أقرا القرآن راكعا أو ساجدا؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. أخرجهما مسلم في صحيحه.
ثم يرفع من السجدة الأولى ويجلس بين السجدتين معتدلًا مطمئنًا ويقول: رب اغفر لي رب اغفر لي، ويستحب أن يقول بين السجدتين مع ما تقدم: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني، ثم يكبر ويسجد الثانية ويقول فيها مثل ما قال في الأولى.
ثم يرفع ويجلس للتشهد الأول إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء، أو ثلاثية كالمغرب فيأتي بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
ويستحب أن يقول بعد هذا التشهد اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، لعموم الأحاديث الواردة في الأمر بالصلاة على النبي ﷺ في التشهد، وإن تركها في التشهد الأول فلا حرج لأنه قد ثبت عن النبي ﷺ في بعض الأحاديث أنه نهض إلى الثالثة بعد الشهادتين ولم يصل على النبي ﷺ، فإذا فرغ من هذا التشهد وصلى على النبي ﷺ لأنه هو الأفضل ينهض مكبرًا إلى الثالثة قائلا: الله أكبر رافعًا يديه كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره حتى يأتي بالثالثة كالمغرب، وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر، ويقرأ الفاتحة في الثالثة والرابعة هذا هو الأفضل، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا من حديث قتادة أن النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب.
وهكذا يفعل المصلي في الثالثة من المغرب، وفي الثالثة والرابعة من العشاء لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه زاد فيهما على الفاتحة، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فحسن لأنه قد ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ ما يدل على ذلك.
ثم بعد فراغه من قراءة الفاتحة في الثالثة من المغرب، وفي الثالثة والرابعة من العصر والظهر والعشاء يركع كما فعل في الأولى والثانية ثم يقول في ركوعه مثل ما تقدم، ثم يرفع من الركوع كما فعل في الركعة الأولى والثانية، ويعتدل بعد الركوع ويقول مثل ما قال بعد الركوع في الركعة الأولى والثانية، ثم ينحط ساجدًا بعد الركوع في الثالثة والرابعة قائلا: الله أكبر، فيسجد سجدتين مثل ما فعل في الركعة الأولى والثانية، ويقول فيهما وبينهما مثلما تقدم في الركعة الأولى والثانية، فإذا فرغ من السجود في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب، والثانية من الفجر والجمعة والعيد جلس للتشهد وقرأه كما فعل في التشهد الأول فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يصلي على النبي فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذه الصفة هي أكمل الصفات الواردة عن النبي ﷺ، وإن أتى بصفة غيرها مما ثبت عن النبي ﷺ فلا بأس، وهي فرض في التشهد الأخير من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي صلاة الفجر والجمعة والعيدين في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي ﷺ أمر بهما، والأصل في الأمر الوجوب.
ثم يستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن الرسول ﷺ كان يفعل ذلك ويأمر به في التشهد، ويستحب أن يدعو في هذا التشهد بما ورد من الدعاء ومن ذلك: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ومن ذلك: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وإن دعا بغير ذلك من أنواع الدعاء الوارد عن النبي ﷺ فكله حسن، وإن دعا بغير ذلك من الدعوات التي تهمه فلا حرج في ذلك إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، لقول النبي ﷺ في حديث ابن مسعود لما علمهم التشهد ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو. وفي رواية أخرى: ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء وكلها روايات صحيحة. ثم يسلم تسليمتين قائلا: (السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، عن يساره) تأسيا بالنبي ﷺ، وعملا بقوله ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
هذا التسليم ركن من أركان الصلاة لا يخرج منها خروجا شرعيا إلا به، أما الالتفات فسنة، فلو سلم ولم يلتفت صحت صلاته وخرج بذلك من الصلاة، لكن يكون تاركا للسنة وهي الالتفات. والله ولي التوفيق[10].

  1. رواه الترمذي في الطهارة برقم (25)، وابن ماجه في الطهارة وسننها برقم (398).
  2. أخرجه البخاري في (كتاب الاستئذان) برقم (5782) واللفظ له، ومسلم في (كتاب الصلاة) باب وجوب قراءة الفاتحة برقم (602).
  3. رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) برقم (1801)، ومسلم في (كتاب الصلاة (برقم (738).
  4. رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22855 و23460)، والنسائي في (التطبيق) برقم (1039).
  5. رواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23699)، ومسلم في (الصلاة) برقم (752).
  6. رواه البخاري في (الأذان) برقم (595)، والدارمي في (الصلاة) برقم (1225).
  7. رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22342). والبخاري في (الأذان) برقم (140)، ومالك في الموطأ في كتاب (النداء للصلاة) برقم (378).
  8. رواه البخاري في (الأذان) برقم (770)، ومسلم في (الصلاة) برقم (758).
  9. رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) برقم (1903)، ومسلم في الصلاة برقم (479)، والنسائي في (كتاب التطبيق) برقم (1045)، وأبو داود في (الصلاة) برقم (876).
  10. من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (844) (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 11/52).
فتاوى ذات صلة