حكم قصر الصلاة إذا طالت مدة السفر

السؤال:
يسأل الأخ منذر سؤال آخر فيقول: هل صحيح أن المسافر يقصر الصلاة مهما طالت مدة السفر ولو بلغ السنين؟ أم أن هناك زمنًا محددًا ينتهي فيه القصر؟ وما حكم السفر فيمن يسافر للدراسة أو العمل خارج بلده هل الصحيح أنه يقصر حتى يرجع من الدراسة أو العمل؟

الجواب:
أما السفر فإن المسافر يقصر فيه، السنة له القصر ما دام في الرحلة ما دام على ظهر سفر، فإذا سافر مثلًا من السعودية إلى أمريكا قصر ما دام في الطريق، أو سافر من مكة إلى مصر أو من مصر إلى مكة قصر ما دام في الطريق، وهكذا إذا نزل في البلد فإنه يقصر ما دام في البلد إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل، إذا عزم على إقامة أربعة أيام فأقل فإنه يقصر كما قصر النبي ﷺ لما نزل بمكة في حجة الوداع فإنه نزل بمكة صبيحة رابعة من ذي الحجة ولم يزل يقصر حتى خرج إلى منى.
وكذلك إذا كان عازمًا على الإقامة لكنها إقامة لا يحددها بل يقول: متى حصل لي كذا سافرت، فهو لا يدري متى تنتهي، يقول: اليوم أخرج.. غدًا أخرج فهو مقيم حتى تأتي حاجته، وحاجته لا يدري متى تنتهي كالذي يلتمس شخصًا عليه له دين أو له به حاجة أو يلتمس سلعة ليشتريها ما يدري متى يجدها، أو له خصومة لا يدري متى تنتهي، أو ما أشبه ذلك فإنه يقصر ما دام مقيمًا؛ لأن إقامته غير محددة، فهو لا يدري متى تنتهي هذه الإقامة فله القصر ويعتبر مسافرًا يقصر ويفطر في رمضان ولو مضى على هذا سنوات.
أما من أقام إقامة طويلة للدراسة أو لغيرها من الشئون وهو يعزم على الإقامة مدة طويلة فهذا الواجب عليه الإتمام هذا هو الصواب أنه يتم، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم أنه يتم، فإذا أقام أكثر من عشرين ليلة عزم على الإقامة أكثر من عشرين ليلة وجب عليه الإتمام للدراسة أو غيرها.
واختلف العلماء فيما إذا كانت الإقامة تسعة عشر يومًا أو خمسة عشر يومًا فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقصر إذا كانت الإقامة تسعة عشر يومًا جاء عن ابن عباس ذلك، أو خمسة عشر يومًا جاء ذلك عن جماعة من أهل العلم، ولكن المعتمد في هذا كله هو أن الإقامة تكون أربعة أيام فأقل، هذا هو الذي عليه الأكثرون وفيه احتياط للدين والبعد عن الخطر بهذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام.
فنصيحتي لإخواني المسافرين للدراسة وغيرها أن يتموا الصلاة وأن لا يقصروا، وأن يصوموا رمضان وألا يفطروا إلا إذا كانت الإقامة قصيرة أربعة أيام فأقل أو كانت الإقامة غير محدودة لا يدري متى تنتهي؛ لأن له حاجة يطلبها ولا يدري متى تنتهي كما تقدم فإن هذا في حكم المسافر، هذا هو أحسن ما قيل في هذا المقام وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو الذي ينبغي فيه الاحتياط للدين، يقول النبي ﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وإقامته ﷺ في مكة تسعة عشر يومًا يوم الفتح محمولة على أنه لم يجمع عليها، وإنما قام لإصلاح أمور الدين وتأسيس توحيد الله في مكة وتوجيه المسلمين إلى ما يجب عليهم، فلا يلزم من ذلك أن يكون عزم على هذه الإقامة، فقد يحتمل أنه أقامها إقامة لم يعزم عليها وإنما مضت به الأيام في النظر في شئون المسلمين وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وإقامة شعائر الدين في مكة المكرمة، وليس هناك ما يدل على أنه عزم عليها حتى يحتج بذلك على أن المدة تسعة عشر يوم كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. 
وهكذا إقامته في تبوك عشرين يومًا ليس هناك ما يدل على أنه عازم عليها عليه الصلاة والسلام، بل الظاهر أنه أقام يتحرى ما يتعلق بحرب الروم وينظر في الأمر وليس عنده إقامة جازمة في ذلك؛ لأن الأصل عدم الجزم بالإقامة إلا بدليل، وهو سافر للجهاد والحرب مع الروم وتريث في تبوك هذه المدة للنظر في أمر الجهاد وهل يستمر في الجهاد ويتقدم إلى جهة الروم أم يرجع، ثم خار الله له سبحانه أن يرجع إلى المدينة وصار الجهاد بعد ذلك على يد الصحابة وأرضاهم.
فالمقصود أنه ليس هناك ما يدل على الجزم بأنه نوى الإقامة تسعة عشر يومًا في مكة، ولا أنه نوى الإقامة الجازمة في تبوك عشرين يومًا حتى يقال: إن هذه أقصر مدة للإقامة، بل ذلك محتمل كما قاله الجمهور في تحديد الإقامة بأربعة أيام فأقل إذا نوى أكثر منها أتم، وفيه احتياط للدين واحتجاج بإقامته ﷺ في مكة عام حجة الوداع، فإنه أقام أربعة أيام ولا شك أنه عازم على الإقامة فيها من أجل الحج من اليوم الرابع إلى أن خرج إلى منى. 
وقال جماعة من أهل العلم: إنها تحدد الإقامة بعشرة أيام؛ لأنه أقام عشرة أيام في مكة في حجة الوداع وأدخلوا في ذلك إقامته في منى وفي عرفة وقالوا: إنها إقامة فتكون المدة عشرة أيام؛ لأنه معزوم عليها، وهذا قول له قوته وله وجاهته لكن الجمهور جعلوا توجههم من مكة إلى منى شروعًا في السفر؛ لأنه توجه إلى منى ليؤدي مناسك الحج ثم يسافر إلى المدينة. 
وبكل حال فالمقام مقام خلاف بين أهل العلم؛ وفيه: عدة أقوال لأهل العلم لكن أحسن ما قيل في هذا وأحوط ما قيل في هذا هو ما تقدم من قول الجمهور وهو أنه إذا نوى المسافر الإقامة في البلد أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى إقامة أقل قصر، وإذا كانت ليست له نية محدودة بل يقول: أسافر غدًا أسافر بعد غد؛ لأن له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي فإن هذا في حكم السفر والله ولي التوفيق.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
المسافر للدراسة مثلًا شيخ عبد العزيز أو المسافر من أجل دورة تدريبية بم تنصحونه، مع من يسير في هذه الأقوال؟
الشيخ: مثلما تقدم أنصحه بالإتمام، أن يتم الصلاة ولا يقصر ولا يفطر، وهكذا السفراء في أي بلاد؛ لأن حكمهم حكم المقيمين إلا أن تأمرهم الدولة بالرجوع نعم، فهم حكمهم حكم المقيمين فيتمون ويصومون.
وهكذا المسافر للدراسة أو لدورات يعلم أنها تطول مدتها فإنه في حكم المقيم. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
فتاوى ذات صلة