ما حكم الصلاة في المساجد التي تحتها قبور؟

السؤال:

رسالة وصلت إلى البرنامج من ليبيا، وباعثها جمع من الإخوة، رمزوا إلى أسمائهم بالحروف (س. أ. ذ. ر) إخواننا لهم عدد من الأسئلة، فيسألون مثلًا ويقولون: ما حكم الصلاة في المساجد التي تحتها قبور، وإن كنت لا تنوي أن الصلاة لمن في القبر؟

نرجو أن تفيدونا هل الصلاة مقبولة بسبب هذا الولي الفلاني أو لا؟ 

الجواب:

الصلاة في المساجد التي فيها القبور لا تجوز، بل هي باطلة؛ لقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق على صحته من حديث عائشة -رضي الله عنها-، قاله في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، في آخر حياته، وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك خرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي ، فلا يجوز للمسلم أن يقيم مسجدًا على قبر، أو يدفن في المساجد، أو يصلي في المساجد التي فيها القبور، بل يجب التواصي بترك ذلك والتناصح، ويجب على ولاة الأمور في أي بلد إسلامي يجب على ولاة الأمور أن يمنعوا ذلك، فلا يدفن في المساجد أموات، ولا تبنى المساجد على القبور، لا هذا ولا هذا، يجب أن تكون المقابر على حدة، والمساجد على حدة، ولا يقبر فيها لا من يسمى ولي ولا غيره، والولي هو المؤمن، ولي الله هو المؤمن، فلا يدفن فيها لا مسلم ولا غيره، بل تكون المساجد خالية من القبور، وهذا هو الواجب الذي بينه الرسول ﷺ.
والعلة في ذلك والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: أنّ وجود القبور في المساجد من وسائل عبادتها من دون الله، إذا بنيت المساجد على القبور كان هذا من وسائل الغلو في الميت، ودعائه من دون الله، والتبرك بقبره، وطلبه الشفاعة، وطلبه الغوث والمدد، فلهذا حرم الله بناء المساجد على القبور، وحرم الله الدفن في المساجد؛ سدًا لذريعة الشرك، وحسمًا لمادة الشرك.

ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يوجد في بعض الأمصار وبعض الدول الإسلامية من وجود القبور في المساجد، لا ينبغي لعاقل أن يغتر بذلك هذا غلط، والغلط لا يقتدى به، والواجب على حكام المسلمين في كل مكان أن يزيلوا هذا الأمر، لا في الشام، ولا في مصر، ولا في العراق، ولا في غيره، الواجب على حكام المسلمين أن ينزهوا المساجد من القبور، وأن تكون المساجد خالية من القبور، وإذا كان فيها قبر ينقل إلى المقبرة العامة، وإذا كان المسجد بني عليه، والقبر هو السابق يهدم المسجد، وتبقى القبور خالية ليس فيها مساجد.

فالحاصل: أنه إذا كان القبر هو الأول يهدم المسجد، وتبقى الأرض للقبور، وإن كان المسجد هو الأول، ودفن فيه ينبش القبر، وينقل إلى المقبرة، ولا يصلى في المساجد التي فيها القبور هذا بدعة ولا يجوز، والصلاة باطلة.

أما إن كانت الصلاة للميت، كأن يصلي للميت ويتقرب إليه بالصلاة أو بالسجود كان شركًا أكبر، وكانت المصيبة أعظم، وهكذا لو طلبه المدد كأن يقول: يا سيدي المدد المدد، أو يا ولي الله المدد المدد، أو يا سيدي البدوي المدد المدد، أو يا حسين المدد المدد، أو يا شيخ عبدالقادر المدد المدد، أو أغثني، أو انصرني، كل هذا من الشرك الأكبر.
قال الله : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] قال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] قال : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] ، فسمى دعاءهم لغير الله شركًا، قال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ فسمى دعوتهم للأموات واستغاثتهم بالأموات شركًا به .
وسماهم في الآية الأخرى كفرًا، قال: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] الآية من سورة المؤمنون، وقال -جل وعلا-: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] قال سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] وقال -عليه الصلاة والسلام-: الدعاء هو العبادة وقال لـابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.

فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذا الشرك، والتحذير منه، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والواجب على العلماء في كل مكان أن يبينوا للناس هذا الأمر، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله، والإخلاص له، وأن يعلموهم أنواع الشرك حتى يحذروها.

والواجب على الحكام أن يزيلوا آثار الشرك، وأن يزيلوا القبور من المساجد التي فيها قبور إذا كانت القبور حادثة، فإن كانت المساجد بنيت على القبور، فالواجب أن تزال المساجد وأن تهدم، وأن تبقى القبور على حالها مقبرة ليس عليها مساجد.
وهنا أمر قد يغتر به بعض الناس وهو: وجود قبر النبي ﷺ وقبر صاحبيه في المسجد النبوي، ويقولون: هذا قبر النبي في المسجد، وهذا غلط؛ لأن الرسول ﷺ لم يدفن في المسجد، دفن في بيت عائشة، وهكذا صاحباه أبو بكر وعمر دفنا معه في بيت عائشة، ولم يدفنوا في المسجد، ولكن الوليد بن عبدالملك لما وسع المسجد في آخر المائة الأولى أدخل القبر في المسجد من أجل التوسعة، وهذا غلط منه، فلا ينبغي أن يغتر بذلك، فالرسول ﷺ وصاحباه لم يدفنوا في المسجد، بل دفنوا في بيت عائشة، والنبي ﷺ نهى عن الصلاة إلى القبور، وقال: لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها ولعن المتخذين المساجد على القبور.

فالمعول على تشريعه وأمره ونهيه -عليه الصلاة والسلام-، أما عمل الناس إذا غلطوا، إذا غلط الوليد أو غير الوليد فلا يعول عليه، فينبغي التنبه لهذا الأمر، وينبغي لأهل العلم أن ينبهوا من حولهم من الناس على هذا الأمر حتى تعم الفائدة، وحتى يتبصر المسلم، وحتى يعلم الحقيقة، فلا يقع في الشرك وهو لا يشعر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة