حكم رفع القبور لدفن أكثر من ميت

السؤال:

من الأخ المستمع: محمد صبحي محمود كرم مدرس مصري رسالة بدأها على النحو التالي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، ونصلي ونسلم على نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله، وآله ومن والاه.

إلى العلماء الكرام، والقائمين على برنامج‎‏ نور على الدرب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله لكم الجزاء الجزيل، وأن يهدي بكم وينفع، وأن يبلغكم غاية القصد المأمول، وأن يتوجكم بتاج القبول على ما تقدمونه للإسلام والمسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه وبعد.

نحن في معظم قرى ومدن مصر نعاني من مشكلة ضيق المساحة في القبور، حيث أنها محددة في أماكن معلومة، ولا يجوز ترك مكانها وخاصة في بلاد الدلتا أي البلاد البعيدة عن الصحراء، مما اضطر الناس لبنائها، وارتفاعها عن الأرض أكثر من المتر في بعض الأحيان؛ وذلك لدفن عدد من الموتى في كل قبر، فما حكم ذلك؟ وماذا نفعل إن أردنا أن نفعل الصواب في عدم بنائها فلا نجد الظروف التي تعيننا على ذلك؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

أيها الأخ الكريم! نسأل الله لك المثوبة على دعواتك، ونسأل الله أن يتقبل منك دعواتك، وأن يثيبنا وإياك، وأن يجعلنا وإياك من عباد الله الصالحين، إنه خير مسئول.

أما القبور فالواجب ألا تبنى هذا الواجب، وأن تحفر في الأرض، وتعمق هذا هو الواجب؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في صحيح مسلم "أنه نهى عن تجصيص القبور، والبناء عليها" ولعن اليهود والنصارى على اتخاذهم المساجد على القبور، وأخبر أنهم شرار الخلق بهذا العمل وهو البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها.

فالواجب على أهل الإسلام في مصر، وفي غير مصر؛ الواجب عليهم أن يحفروا القبور في الأرض، وأن يعمقوها إلى نصف القامة تقريبًا حتى لا تظهر رائحتها، وحتى لا تحفرها الكلاب ونحوها، فإذا كانت البلد ليس فيها محل للحفر؛ لأنها صلبة حجرية، فلا حرج أن يدفن على ظهرها، ويحوط عليها؛ لأجل حفظها عن الكلاب وغيرها، وصيانتها؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286].

فالبناء حينئذ لحفظها لا لتعظيمها، والغلو فيها، ولكن لحفظها عن ظهور الروائح الكريهة، وعن امتهانها، وعن تناول السباع لها، فلا حرج بقدر الحاجة، بقدر الحاجة فقط والضرورة، أما مع القدرة على الحفر فلا يجوز البناء لا متر ولا غيره، يجب أن تكون في الأرض، وأن تبين للناس، ترفع قدر شبر مثلًا تقريبًا، ترابها يكون على كل قبر ترابه، وعليه النصايب في أطرافه حتى يعلم يعرف أنه قبر، وإذا رش وجعل فيه بطحاء فذلك أفضل، هذا هو المشروع في القبور، لكن من لم يستطع ذلك في أن الأرض لا يمكن حفرها فإنه معذور بقدر الحاجة فقط. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، إذا كانت الأرض بعكس ذلك سماحة الشيخ، وكانت التربة تنهال، ولا تتماسك، فما هو الحل الذي يراه سماحتكم؟

الشيخ: إذا كانت الأرض ضعيفة لا يستطاع الحفر فيها؛ لضعفها، وانهيارها؛ يجعل ما يحفظ الميت من ألواح أو حجارة أو نحو ذلك مما يحفظ الميت، حتى لا ينهار به القبر، يفعل ما يستطيع المؤمن من ألواح أو أخشاب، أو حديد؛ المقصود الذي يستطيع به حفظ الميت، حتى لا ينهار به القبر. نعم.

المقدم: والأمر متيسر في هذه الأزمنة والحمد لله؟

الشيخ: حسب الطاقة، حسب الطاقة، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16].

المقدم: أحسن الله إليكم.

الشيخ: نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: وإياكم.

المقدم: أرجو أن يتفهم إخواننا هذه الإجابة جيدًا، وأن يعيدوا الاستماع إليها أكثر من مرة فهي في غاية الوضوح، جزى الله الجميع كل خير.

الشيخ: آمين، لا شك أن هذا مهم نسأل الله للجميع التوفيق.

المقدم: اللهم آمين.

الشيخ: نعم.

المقدم: اللهم آمين.

الشيخ: ثم نعيد أيضًا مرة أخرى.

المقدم: أحسن الله إليك.

الشيخ: التحذير من البناء على القبور الذي فعله اليهود والنصارى، لا يجوز أن يبنى عليها مساجد، ولا قباب ولا غير ذلك؛ لأن هذا البناء من أسباب الشرك بالله، والغلو كما فعله اليهود والنصارى، وفعله أشباههم من عباد القبور الذين ظنوا أن هذا مشروع، فاتخذوا المساجد على القبور، وغلوا فيها، واستغاثوا بأهلها، ونذروا لهم، وطافوا بقبورهم، وهذا هو البلاء العظيم، هذا الشرك الأكبر.

يقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة بكنيسة في بلاد الحبشة، وما فيها من الصور قال عليه الصلاة والسلام: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله حكم عليهم بأنهم شرار الخلق.

فالواجب الحذر، وفي الصحيح -صحيح مسلم- عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي ﷺ أنه قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد.. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك

وهذا نهي عظيم لوجوه ثلاثة:

أولًا: ذم من فعل ذلك من اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا تحذير من التشبه بهم.

الثاني: قوله: فلا تتخذوا القبور مساجد هذا نهي صريح لا تتخذوا القبور مساجد.

الثالث: قوله: فإني أنهاكم عن ذلك فهذا - أيضًا - تأكيد للنهي بقوله: فإني أنهاكم عن ذلك.

فالواجب الحذر، والسر في هذا - والله أعلم - كما هو معروف عند أهل العلم أنه ذريعة للشرك، أن هذا البناء، وهذا التصوير عليها من أسباب الشرك بها، واتخاذ أهلها آلهة مع الله، كما قد وقع لليهود والنصارى وغيرهم، فيجب الحذر من ذلك، وألا يبنى على القبر لا مسجد ولا غيره، ولا قبة ولا غيرها، ولا يدعى من دون الله ولا يستغاث، ولا يطاف، إلى غير ذلك.

العبادة حق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى، ويصلى له، ويسجد له، وينذر له، ويذبح له قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي[الأنعام:162] يعني: قل يا محمد للناس: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي[الأنعام:162] يعني: ذبحي وعباداتي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام:162-163] هكذا أمره الله أن يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام.

وقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:1-2] وقال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج:29] الطواف بالبيت العتيق، ما يطاف بالقبور، الطواف بالقبور عبادة لها من دون الله، وشرك بالله  فإذا طاف يتقرب إلى الميت بالطواف أو يصلي له، أو يسجد له، أو يقول: يا سيدي أغثني، أو انصرني، أو اشف مريضي أو أنا في جوارك؛ كل هذا شرك بالله، كل هذا عبادة لغيره  فالواجب الحذر غاية الحذر، نسأل الله للجميع الهداية.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة