حكم النذر لغير الله كالأولياء عند القبور

السؤال:

أولى قضايا هذه الحلقة قضية بعث بها مجموعة من السادة المستمعين يسألون ويقولون: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء وتوضع في صناديق أخر؟ وهل لأحد حق فيها لانتسابه إلى هذا الولي؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فالنذر من العبادات التي يجب إخلاصها لله وحده؛ لأنها التزام المكلف ما ليس لازمًا له من جهة الشرع تعظيمًا للمنذور له وتقربًا إليه، وهذا لا يصلح إلا لله وحده، فليس لأحد أن يلتزم صلاة ولا صومًا ولا صدقة ولا غير ذلك، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا لنجم ولا لشجر ولا لحجر ولا لجني ولا لغير ذلك، فهذه النذور التي يقدمها بعض الجهال إلى الأولياء من أصحاب القبور تعتبر شركًا أكبر كالذبح لغير الله وكالاستغاثة بالأموات كل ذلك من قسم الشرك الأكبر، قال الله : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، قال : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، المعنى فيجازيكم عليه .

فالنذور عبادات وقرب يجب أن تكون لله وحده، ومع ذلك فالرسول ﷺ نهى عن النذر قال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل.

فلا ينبغي للمؤمن النذر، ولكن متى نذر فليكن لله وحده لا لغيره ، فإذا قال: لله عليه أن يصلي كذا أو يصوم كذا أو يتصدق بكذا لزمه الوفاء؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه خرجه البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فإذا قال: لله عليه أن يصلي الضحى ركعتين وجب عليه الوفاء، لله عليه أن يتصدق بكذا وكذا درهم أو بكذا وكذا صاعًا من بر أو شعير أو أرز أو غير ذلك وجب عليه الوفاء أو قال: لله عليه أن يحج وجب عليه الحج لله عليه أن يعتمر وجب عليه العمرة وهكذا، لقوله عليه الصلاة والسلام: من نذر أن يطيع الله فليطعه.

أما أن ينذر للأولياء لأصحاب القبور للجن للكواكب للرسل عليهم الصلاة والسلام لغيرهم من المخلوقين هذا شرك بالله، كما لو ذبح لغير الله أو استغاث بغير الله من الأموات أو من الجن أو من الكواكب أو ما أشبه ذلك، كله شرك بالله بإجماع أهل العلم، وإنما وقع هذا من المتأخرين من الذين جهلوا توحيد الله وجهلوا أحكام شريعته فوقعوا في الشرك، وقد يقع في هذا بعض من ينتسب إلى العلم؛ لعدم بصيرته بالعقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة.

وهذه النذور التي تكون من الأموال وتجمع في الصناديق حول القبور هذه حكمها حكم الأموال التي لا رب لها تؤخذ لبيت مال المسلمين أو يأخذها ولي الأمر ويصرفها في مصالح المسلمين كمساعدة الفقراء والمساكين، أو إصلاح الطرق أو دورات المياه أو ما أشبه هذا من المصالح العامة، ولا ترد على أهلها، وليس لأحد أن يأخذها من الناس بل هذه ترجع لولي الأمر إذا كان ولي الأمر صالحًا ينفذ شرع الله وإلا فلأصحاب البصيرة من أهل العلم يأخذونها ويوزعونها في وجوه البر والخير على الفقراء والمحاويج ونحو ذلك، ويبصرون الناس وينذرونهم منها ويحذرونهم منها وأنها منكر وأنها من الشرك حتى لا يعودوا إليها، وتزال هذه الصناديق وترفع من المساجد وغيرها؛ لأنها منكر ولأنها دعوة للشرك بالله  فالواجب إزالتها والتحذير منها وتوعية الناس وتبصيرهم بأن هذا من الشرك الأكبر، وما وجد فيها حين إزالتها من نقود تصرف في أعمال الخير كما تقدم، مع إزالتها من المساجد ومع تنبيه العامة وتحذيرهم من مثل هذا، وأنه لا يجوز التقرب إلى غير الله لا بالصلاة ولا بالنذور ولا بالصدقات ولا غير هذا، لا لأصحاب القبور ولا للأصنام ولا للكواكب ولا للجن ولا لغير هذا، العبادة لله وحده كما قال : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

والعبادة كل ما أمر الله به ورسوله، قال بعض أهل العلم: معناها: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وتكون قولية وتكون عملية وتكون بالقلب وتكون باللسان تكون بالجوارح فخوف الله وتعظيمه ومحبته هذه عبادات قلبية وهكذا رجاؤه سبحانه ونحو ذلك من سائر العبادات القلبية.

وهناك عبادات عملية كالصلاة والزكاة والصدقات والذبح والنذر هذه عبادات عملية.

وتكون قولية كالنذر من جهة القول فالنذر عبادة قولية وما يحصل به من صدقات ونحو ذلك عبادات مالية.

فالحاصل أن جميع العبادات قولية أو عملية قلبية أو لسانية يجب أن تكون لله وحده ، ولا يجوز لأي أحد أن يصرفها لأي مخلوق من ولي أو رسول أو ملك أو جني أو صنم أو غير ذلك نسأل الله للجميع الهداية و السلامة.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة