حكم قراءة القرآن كل عام وإهداء ثوابه للميت

السؤال:

أيضًا من العادات لديهم ما ذكره بقوله: يجتمع حوالي عشرة أشخاص، ويتلون المصحف الشريف، ويهبون للمتوفى الثواب مرة في كل عام، هل هذا العمل صحيح؟

الجواب:

وهذا كالذي قبله ليس بمشروع، بل هو بدعة، وقد اختلف العلماء -رحمة الله عليهم- هل يصل ثواب القراءة إلى الميت على قولين: أرجحهما أن ذلك لا يصل؛ لعدم الدليل، والعبادات توقيفية ليست بالرأي والاستحسان، ولا بالقياس، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد.

فالأرجح: أنه لا يشرع الصلاة عن الميت، ولا الطواف عن الميت، ولا القراءة عنه، بل تدعو له في صلاتك، في طوافك، في قراءتك، تدعو لأبيك، لأمك، لأمواتك، هذا طيبًا إذا كانوا مسلمين.

أما الصدقة عن والديك هذا أمر مشروع وينفعهما وينفع غيرهما أيضًا من أقاربك والمسلمين جميعًا، هكذا الدعاء لوالديك ولغيرهم، الدعاء نافع ومفيد، كما قال الله سبحانه عن الصالحين أنهم يقولون في دعواتهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] هذا من دعوات الأخيار لسلفهم الصالح.

ومن ذلك أيضًا: الحج عن الميت والعاجز والعمرة كذلك، فإنها تنفع الميت، وهكذا العاجز الكبير في السن العاجز عن العمرة وعن الحج إذا حج عنه ولده أو غيره نفعه ذلك لما جاء في الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك.

 ومما يلتحق بهذا الإشارة إلى ما يفعله بعض الناس من العمرة عن أمواتهم، وهم في مكة، أو عن نفسه وهو مقيم بمكة كالذي جاء للحج، أو من أهل مكة، فيأخذ عمرة له من الحل، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم شرعية ذلك، وقالوا: إن النبي ﷺ لم يفعل ذلك حين كان بمكة يوم الفتح، وذهب الجمهور إلى أنه لا بأس بذلك، وأنه مشروع، واحتجوا على هذا بأن النبي ﷺ أعمر عائشة وهي من أهل مكة كانت في مكة يوم حجة الوداع أعمرها من التنعيم، وأمر عبد الرحمن أخاها أن يخرج معها فأدت عمرة من التنعيم، وهي في ذلك الوقت في مكة، فدل ذلك على أنه لا حرج في الخروج من مكة إلى الحل لأداء العمرة.

وكون النبي ﷺ لم يفعل ذلك لا يدل على عدم شرعية ذلك، فإنه قد يدع الشيء لأسباب كثيرة -عليه الصلاة والسلام-، ومنها أنه قد يدعه لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام-، كما كان -عليه الصلاة والسلام- لا يواظب على صلاة الضحى، مع أنه أوصى بذلك أبا هريرة وأبا الدرداء أوصاهما بصلاة الضحى دائمًا وهي سنة، صلاة الضحى دائمًا سنة مؤكدة؛ لأن الرسول أوصى بها -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان لم يداوم عليها كما أخبرت بذلك عائشة -رضي الله عنها- عنه -عليه الصلاة والسلام-.

فالمقصود: أنه قد يدع الشيء وهو مستحب؛ لئلا يشق على أمته، أو لأسباب أخرى -عليه الصلاة والسلام-، وقد أخبر ﷺ أن أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ومع هذا ما كان النبي يفعل هذا -عليه الصلاة والسلام- فالقول غير الفعل، التشريع القولي مقدم على التشريع الفعلي.

وقد أمر عائشة بالقول -عليه الصلاة والسلام- أن تخرج إلى الحل فتعتمر، فدل ذلك على أنه لا حرج ولا بأس في حق من خرج من مكة لأخذ العمرة عن نفسه أو عن أمواته أو عن العاجزين من قراباته وغيرهم كل ذلك لا بأس به، وحديث عائشة حجة قائمة، وهو متفق على صحته بين الشيخين البخاري ومسلم -رحمة الله عليهما- ونسأل الله للجميع التوفيق، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.

فتاوى ذات صلة