الإيجاز في محاسن ابن باز

عبدالعزيز العبدالله التويجري
 
فقد العالم الإسلامي خلال الأسبوع الماضي.. علمًا من أعلامه.. ومنبرًا مخلصًا صادقًا من منابره.
وفقد العالم العربي بفقده.. إشعاعًا ونورًا إسلاميًا كان يشع من بطحاء مكة.. مهبط الرسالات.. وأرض النبوات.
فقدت المملكة العربية السعودية عالمًا من علمائها الأفذاذ.. الذين خدموا الدين والعقيدة الإسلامية.. بكل صدق وإخلاص.. وبكل محبة لله ولكتابه ولسنة رسوله المصطفى نبينا محمد ﷺ.
فقد الشعب السعودي النبيل، والدًا، ومربيًا، ومعلمًا، ومفتيًا، ومرشدًا، ورائدًا كبيرًا، ومدافعًا جريئًا، ومحاربًا شجاعًا، وسدًا منيعًا، وحصنًا حصينًا من حصون العقيدة الإسلامية، والسنة النبوية المطهرة.. ومناضلا متمكنا من الدفاع عن الدين والأدب والأخلاق الإسلامية.. التي قامت هذه الدولة السعودية المسلمة على قواعدهًا.. تواصلًا مع قيام الدولة السعودية الأولى، وتوافقًا متلازمًا مع دعوة التوحيد والتجديد.. التي انطلقت على يد الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. رحمه الله، ورحم معه جميع أموات المسلمين من قبل ومن بعد.
أقول: فقدت المملكة العربية السعودية واحدًا من أبرز علماء العقيدة والشريعة، وعلمًا بارزًا من علماء الدعوة الإسلامية فيها.. وركنا من أركان الدعوة والإفتاء والتوجيه والإرشاد في مجتمعها.. فقدت والدها وعالمها الجليل، ومفتيها الأكبر.. الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.. أسبغ الله عليه شآبيب رحمته ورضوانه.. وأسكنه فسيح جناته.. وقد تمت الصلاة على جثمان الفقيد الطاهر في المسجد الحرام بمكة المكرمة.. بعد صلاة يوم الجمعة الموافق 18 من محرم عام 1420هـ بمشاركة إمام المسلمين.. خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وأصحاب السمو الملكي الأمراء، والعلماء، والوزراء، ورجالات الدولة من مدنيين وعسكريين.. وجموع غفيرة من المواطنين.. ونظرا للمكانة الكبيرة التي يحتلها فقيد الأمة (الشيخ عبدالعزيز) وجه خادم الحرمين الشريفين.. بالصلاة على روحه الطاهرة.. صلاة الغائب في جميع مساجد المملكة وفي كل المناطق.. كما شارك العالم الإسلامي كله بالصلاة على روحه.. والتعبير عن مشاعر الأسى والحزن لفقدانه.
كما عبرت كل الدول الإسلامية عن تعازيها للمملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا.. بهذا المصاب الأليم.. الذي هز المشاعر، وأبكى العيون، وأدمى القلوب.. إنا لله وإنا إليه راجعون .
والفقيد الذي بكته الأمة بكاملها، وبكاه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.. من علماء المسلمين الذين يتصفون بصفات يندر اليوم وجودها في شخص.. غير شخص فقيدنا.. فهو رحمه الله.. محل ثقة الجميع.. واطمئنان الجميع.. ويحظى بحب الجميع من خلال سيرته العطرة، وذكره الطيب.. وخلقه العظيم، وعلمه الواسع.. وتوجيهه المؤثر، ونصحه الصادق لله ورسوله.. ثم لخاصة الناس وعامتهم.
عالم لا يريد بأقواله.. ولا يريد بأفعاله.. ولا يريد من نشر علمه.. إلا وجه الله عز وجل، ثم رشاد هذه الأمة.. واستقامتها على الحق والدين.. وقواعد الشريعة الإسلامية.. على ضوء التشريعات القرآنية، وهدي السنة النبوية.. وما جاء عن السلف الصالح من أمة الإسلام المجيدة وإلى مكانة فقيدنا العلمية والدعوية هناك له مكانة كبيرة في قلوب عامة الناس وخاصتهم.. احتلها - يرحمه الله -بخدماته الإنسانية الكثيرة.. والتي تتمحور حول الفقراء، والمستضعفين, وقضايا المظلومين، والأرامل والأيتام.. والنظر في القضايا الأسرية المعقدة.. التي كثيرا ما تعصف بحياة الأُسر.. وتهددها بالخراب والدمار.. ثم إنه يرحمه الله.. ينظر إلى الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإنسانية.. بنظرات خاصة.. يشد من أزرها، ويدعم صناديقها بكل الإمكانيات والوسائل التي مكنه الله منها.. ثم إنه رحمه الله.. قريب جدا من عامة الناس.. وسريع الاستجابة لحاجاتهم.. وحريص على تحقيق مطالبهم, وتسهيل أمورهم في أي وقت وفي كل مكان.. فليس له مكتب مخصص.. وليس له كرسي خاص.. وليس له حاجب.. وليست عليه حراسة.. تجده يمشي فيفتي.. ويجلس فيعطي، ويأكل فيشارك.. ويتحدث فيعلم.. نذر نفسه وكل وقته لخدمة عامة الناس قبل خاصتهم.. ولهذا أحبه الناس.. وبكاه الوطن.
فعليك رحمة الله يا فقيد الإسلام والمسلمين.
عليك رحمة الله يا فقيد المنبر والمحراب.
عليك رحمة الله يا فقيد العلم والعلماء.
عليك رحمة الله يا فقيد الأرامل والأيتام
عليك رحمة الله يا فقيد المظلومين والمستضعفين.
وباسم هؤلاء.. وأولئك.. أرفع للوالد القائد.. الملك فهد والأسرة المالكة الكريمة والوزراء، والعلماء، وطلبة العلم.. وأبناء الفقيد وأحفاده.. أحر التعازي وأصدق المواساة.. سائلًا المولى عز وجل.. ألا يريهم مكروها.. وأن يغفر لفقيدهم، وفقيد الأمة.. وأن يسكنه جنات النعيم.. مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وهو حسبي ونعم الوكيل.. وإنا لله وإنا إليه راجعون[1].
  1. جريدة الجزيرة، الأربعاء 4 صفر 1420ه .