فصاحته وحسن كلامه

فصاحته وقوة بيانه وسلاسة لغته:
لقد تميز سماحة الشيخ - رحمه الله - بالفصاحة والبلاغة والتضلع في علم النحو والصرف، والسلامة في كلامه من اللحن، ويشهد له أيضًا بوضوح العبارة وسلاسة الأسلوب والبعد عن التنطع التقعر. وخطبه ودروسه ومحاضراته وكتاباته خير شاهد على ذلك.
قال عبدالرحمن بن يوسف الرحمة عن ذلك: "سماحة الشيخ - رحمه الله - يعد بجدارة من أرباب الفصاحة، وأساطين اللغة، خاصة في علم النحو، بل وفي علوم اللغة العربية كافة.
وفصاحته تبرز في كتاباته ومحادثاته، وخطبه ومحاضراته وكلماته، فهو ذو بيان مشرق، ونبرات مؤثرة حزينة، وأداء لغوي جميل، ويميل دائمًا إلى الأسلوب النافع الذي كان عليه أكثر أهل العلم، وهو الأسلوب المسمى السهل الممتنع، فتجده - رحمه الله - من أكثر الناس بعدًا عن التعقيد والتنطع في الكلام والتشدق في اللفظ والمعنى، والتكلف والتقعر، بل هو سهل العبارة، عذب الأسلوب، واضح البيان، تتسم عباراته وكتاباته بالإيجاز والإحكام والبيان.
ومن نوافل الأمور أن يقدر القارئ الكريم علم سماحة الشيخ - رحمه الله - في اللغة والأدب وحسن البيان؛ لأن معرفة ذلك وإتقانه من الأسس الرئيسة في فهم آيات الكتاب ونصوص السنة النبوية، ومعرفة مدلولات العلماء، ولهذا كان سماحته - رحمه الله - متمكنًا مجيدًا للخطابة والكتابة.
ومن المألوف حقًا في عالم الإسلام أن الذين يحرمون بصرهم من أهل العلم يمتازون بالفصاحة في الألفاظ والمعاني، وقوة الخطابة وإتقانها؛ لأن معظم اعتمادهم على الإلقاء والخطابة في الدرس والوعظ والدعوة، وهذا ما يتجلى واضحًا في سماحة الشيخ - رحمه الله...
ومن ميزاته وخصائصه الخطابية: قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه، الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيرًا تحرره من كل أثر للتكلف والتنطع، وعباراته تمتاز بالسلاسة والجودة وحسن الانتقاء مع قوة المعنى وجودة المبنى". [1]
أما مدير مكتبه الشيخ محمد الموسى فيقول: "سماحة الشيخ معروف بفصاحة الكلام، فتراه يلقي الكلمة، أو يملي الكتاب، أو يجيب على السؤال، فلا تسمع منه لحنة، إذ هو عارف بالنحو، حريص على سلامة عبارته، يتحرى الدقة في أساليبه وتراكيبه.
وكثيرًا ما يقال له: إنك قلت كذا وكذا، فهل هذا الأسلوب صحيح؟ فيجيب بصحة ما قال، ثم يستشهد على ذلك بآية من القرآن تؤيد صحة ما ذهب إليه". [2]
قال ناصر الزهراني: "مما يميز الشيخ - رحمه الله - تلك اللغة السهلة، وذلك المنطق السلس، وتلك العبارات الجميلة المناسبة، الواضحة، وضوح المنهج، ووضوح القصد، ووضوح الرؤية، ووضوح الهدف، جاءت كلماته ناصعة وفتاواه مشرقة، وعباراته مشوقة؛ لأن عليها بهاء الوحي، ونور المنهج، وصفاء النبع، لم يكن الشيخ يُغْرِب في أساليبه، ويتشرق في عباراته، ويفلسف محاوراته؛ لأن قلبه وفكره وحياته ولغته شربت من زلال الوحي النقي الصافي، حتى بلغ الري الأظفار، فلم يظمأ بعد ذلك أو يطمع في الشرب من يد أحد أبدًا، يؤلف كتبا أو يكتب رسالة في قضية، ويكتب غيره فيها، فيأتي كلامه متألقًا عن غيره، مميزا ممن سواه، والأمثلة على ذلك كثيرة، خذ مثلا مناسك الحج والعمرة، ألف الشيخ كتابه (التحقيق والإيضاح)، وأُلِّف بعد ذلك وقبله مئات الكتب والرسائل، فبقي كتاب الشيخ صامدًا شامخًا مقدمًا محبوبًا لدى جماهير المسلمين".[3]
 
تصويباته للأخطاء التي يقع فيها بعض طلابه:
ومن فصاحته وقوته في علوم اللغة أنه كان يصوب الأخطاء التي يقع فيها من يقرأ عليه، وكان له أسلوب جميل في إرشاد القارئ للصواب، وتنبيهه إلى اللحن.
يقول الشيخ محمد الموسى: "إذا قرأنا عليه ثم كان في القراءة لحن، أو خطأ، أعاد الكلمة التي وقع فيها الخطأ بينه وبين نفسه، ويرفع الصوت قليلًا؛ حتى ينبه القارئ، فإذا لم يسمع القارئ ذلك أعاد سماحته الكلمة مرة أخرى، فإذا لم يسمعها قال: الصواب كذا وكذا.
وأحيانًا يطرح سماحته سؤالًا نحويًّا والمجلس مليء بالدكاترة، والجلة من أهل العلم، فيقول: على أي شيء نصبت الكلمة الفلانية؟ فإذا لم يجب أحد أجاب، كأن يقول: نصبت على الاشتغال، أو على غير ذلك.
وكثيرًا ما كان يصوب الكلمات الدارجة التي يسمعها من بعض القراء، وكثيرًا ما كان يصوب بعض الأساليب التي يسمعها من بعض الخطباء أو المتحدثين.

ومن الأمثلة على تصويباته:
كلمة طبيعي، يقول الصواب: طبعي.
بديهي، يقول: الصواب: بدهي.
دُرْبة، يقول: الصواب: دَرَبَة.
موجِب، يقول: الصواب: موجَب، كأن يقال: للعمل بموجَبه، وقد يكون الصواب بكسر الجيم حسب السياق؛ لأن الموجِب هو السبب، والموجَب هو المُسَبَّب.
كِلى، يقول: الصواب: كُلَى جمع كُلْية.
جَلاء الأفهام، يقول: الصواب: جِلاء الأفهام.
المعجم المُفَهْرَس: يقول: الصواب: المعجم المُفَهْرِس بكسر الراء لا بفتحها، فيكون اسم فاعل لا اسم مفعول.
ذو الحَجَّة بفتح الحاء، وذو القِعدة بكسر القاف، يقول: الصواب العكس: ذو الحِجَّة بكسر الحاء، وذو القَعْدة بفتح القاف.
ويقول في نهاية مكاتباته بعد الدعاء: إنه سميع قريب، ويقول: إن هذا الأسلوب أولى من سميع مجيب.
إذا سمع أحدا يقول: كلما كان كذا كلما كان كذا، قال: الصحيح أن يقول: كلما كان كذا كان كذا، فلا مسوغ لتكرار كلما، قال تعالى: كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا [النساء:91].
كان لا يجمع بين: حفظه الله من كل سوء ومكروه، بل يقول: يُكْتَفى بواحدة، فإما أن يقال: من كل سوء، أو من كل مكروه". [4]

جمال أسلوبه وحسن عبارته:
مما تميز به الشيخ - رحمه الله - الأسلوب الحسن والعبارات اللطيفة والعاطفة الصادقة، حتى إن مخالفيه في بعض القضايا أو المسائل ما يلبثوا أن يسمعوا كلماته الجميلة وعبارته الحسنة حتى تتنزل عليهم بردًا وسلامًا، فيذعنون وينقادون لتوجيهاته.
قال ناصر الزهراني: "وهو - رحمه الله - إضافة إلى منزلته العلمية التي فرضت احترامه على جميع فئات الناس، كان أيضًا يتعامل معهم بأجمل أسلوب، وأحسن وسيلة، يأتي إليه بعض الناس أحيانًا وهم يفيضون غضبًا، ويمتلئون حماسًا للرد على عالم معين، أو مفكر، أو على جماعة، ويذكرون من الأخطاء والعيوب والملاحظات، فلم يكن - رحمه الله - يندفع وراء تلك المقولات، أو يتعامل بذلك الأسلوب، بل يتأكد ويتثبت من الأمر أولًا، فإذا عرف ملاحظة شرعية، أو مخالفة دينية، قدم نصيحة بأحسن عبارة، وأصدق بيان.
ولم يكن ينال من الجماعات الإسلامية، أو يشهر بأخطاء المخطئ منهم، بل إذا سئل عن جماعة قال: هم على خير كبير، ونفع الله بجهودهم، ولديهم بعض الملاحظات، وكتبنا لهم بذلك، نسأل الله أن يهدينا وإياهم، ومعلوم أن الحديث هنا عن الجماعات الإسلامية التي بينها خلاف في بعض وجهات النظر، أما المخالفة للكتاب أو السنة، فليس لنا كلام معهم، وهو مع ذلك كله لا يفتأ يدعو الجميع إلى الجماعة الواحدة، وإلى الاحتكام لكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والبعد عن عوامل الفرقة والشتات والتباغض". [5] 
 
  1. الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (40،39).
  2. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (411).
  3. إمام العصر، لناصر الزهراني (132).
  4. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (412،411).
  5. إمام العصر، لناصر الزهراني (171،170).