حكم إهداء تلاوة القرآن الكريم للآخرين

السؤال:
في هذا الشهر العظيم -شهر القرآن الكريم- هل يجوز أن أختم القرآن لوالديَّ، علمًا بأنهما أُميّان -لا يقرآن ولا يكتبان-؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة، ولكن أريد إهداءه هذه الختمة؟ وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص؟

الجواب:
لم يرد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة عن رسول الله ﷺ ولا عن صحابته الكرام ما يدل على شرعية إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما.
وإنما شرع الله قراءة القرآن للانتفاع به، والاستفادة منه، وتدبر معانيه، والعمل بذلك، قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وقال سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت:44].
وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: اقرأوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، ويقول ﷺ: إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة (البقرة) و(آل عمران) كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما[1].
والمقصود: أنه أنزل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته، والإكثار من قراءته، لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهما أصلًا يعتمد عليه، وقد قال ﷺ: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد[2].
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك، وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكن الصواب: هو القول الأول؛ للحديث المذكور وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعًا لفعله السلف الصالح.
والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بنص من كلام الله ، أو من سنة رسوله ﷺ للحديث السابق، وما جاء في معناه.
أما الصدقة عن الأموات وغيرهم، والدعاء لهم، والحج عن الآخرين ممن قد حج عن نفسه، وهكذا العمرة عن الآخرين ممن قد اعتمر عن نفسه، وهكذا قضاء الصوم عمن مات وعليه صيام، فكل هذه العبادات قد صحت بها الأحاديث عن رسول الله ﷺ إذا كان المحجوج عنه والمعتمر عنه ميتًا، أو عاجزًا لهرم أو مرض لا يرجى برؤه[3].
والله ولي التوفيق.
  1. أخرجه مسلم في كتاب (صلاة المسافرين وقصرها)، باب (فضل قراءة القرآن)، برقم: 1337.
  2. أخرجه البخاري في كتاب (الصلح)، باب (إذا اصطلحوا على صلح جور)، برقم: 2499، ومسلم في كتاب (الأقضية)، باب (نقض الأحكام الباطلة)، برقم: 3242. 
  3. نشر في (مجلة الدعوة)، في العدد: 1478، بتاريخ 3/9/1415هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 418).
فتاوى ذات صلة