التحذير من السفر إلى بلاد الكفر وخطره على العقيدة والأخلاق

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد أنعم الله على هذه الأمة بنعم كثيرة، وخصها بمزايا فريدة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأعظم هذه النعم نعمة الإسلام، الذي ارتضاه الله لعباده شريعة ومنهج حياة، وأتم به على عباده النعمة، وأكمل لهم به الدين، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] ولكن أعداء الإسلام قد حسدوا المسلمين على هذه النعمة الكبرى، فامتلأت قلوبهم حقدا وغيظا، وفاضت نفوسهم بالعداوة والبغضاء لهذا الدين وأهله، وودوا لو يسلبون المسلمين هذه النعمة أو يخرجونهم منها، كما قال تعالى في وصف ما تختلج به نفوسهم: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]. 
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]. 
وقال عز وجل: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِِ وَوَدُّوا لو تكفرون [الممتحنة:2] وقال جل وعلا: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِِ اسْتَطَاعُوا [البقره:217]، والآيات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة.
والمقصود أنهم لا يألون جهدا ولا يتركون سبيلا للوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم في النيل من المسلمين إلا سلكوه، ولهم في ذلك أساليب عديدة ووسائل خفية وظاهرة، فمن ذلك ما تقوم به بين وقت وآخر بعض مؤسسات السفر والسياحة من توزيع نشرات دعائية تتضمن دعوة أبناء هذا البلد لقضاء العطلة الصيفية في ربوع أوربا وأمريكا، بحجة تعلم اللغة الإنجليزية ووضع برامج شاملة لجميع وقت المسافر.
وهذه البرامج تشتمل على فقرات عديدة منها ما يلي:
أ- اختيار عائلة كافرة لإقامة الطالب لديها مع ما في ذلك من المحاذير الكثيرة.
ب- حفلات موسيقية ومسارح وعروض مسرحية في المدينة التي يقيم فيها.
جـ- زيارة أماكن الرقص والترفيه.
د- ممارسة رقصة الديسكو مع فتيات كافرات ومسابقات في الرقص.
هـ- جاء في ذكر الملاهي الموجودة في إحدى المدن الكافرة ما يأتي: (أندية ليلية، مراقص ديسكو، حفلات موسيقى الجاز والروك، الموسيقى الحديثة، مسارح ودور سينما، وحانات كافرة تقليدية)، وتهدف هذه النشرات إلى تحقيق عدد من الأغراض الخطيرة منها ما يلي:
1- العمل على انحراف شباب المسلمين وإضلالهم.
2- إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد، وجعلها في متناول اليد.
3- تشكيك المسلم في عقيدته.
4- تنمية روح الإعجاب والانبهار بحضارة الكفرة.
5- دفع المسلم للتخلق بالكثير من تقاليد الكفار وعاداتهم السيئة.
6- التعود على عدم الاكتراث بالدين وعدم الالتفات لآدابه وأوامره.
7- تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة السفر إلى بلد الكفر بعد عودتهم من هذه الرحلة، وتشبعهم بأفكار الكفرة وعاداتهم وطرق معيشتهم.
إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد الخطيرة التي يعمل أعداء الإسلام لتحقيقها بكل ما أوتوا من قوة، وبشتى الطرق والأساليب الظاهرة والخفية، وقد يتسترون ويعملون بأسماء عربية ومؤسسات وطنية؛ إمعانا في الكيد وإبعادا للشبهة وتضليلا للمسلمين عما يرومونه من أغراض في بلاد الإسلام؛ لذلك فإني أحذر إخواني المسلمين في هذا البلد خاصة وفي جميع بلاد المسلمين عامة من الانخداع بمثل هذه النشرات والتأثر بها، وأدعوهم إلى أخذ الحيطة والحذر، وعدم الاستجابة لشيء منها، فإنها سم زعاف ومخططات من أعداء الإسلام تفضي إلى إخراج المسلمين من دينهم، وتشكيكهم في عقيدتهم، وبث الفتن بينهم، كما ذكر الله عنهم في محكم التنزيل، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الآية [البقرة:120].
كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم وعدم الاستجابة لطلبهم السفر إلى الخارج لما في ذلك من الأضرار والمفاسد على دينهم وأخلاقهم وبلادهم كما أسلفنا، وفي بلادنا بحمد الله من التعليم لسائر أنواع العلوم ما يغني عن ذلك، وإن إرشادهم إلى أماكن النزهة والاصطياف في بلادنا، وهي كثيرة بحمد الله، والاستغناء بها عن غيرها، مما يتحقق بذلك المطلوب، وتحصل السلامة لشبابنا من الأخطار والمتاعب والعواقب الوخيمة والصعوبات التي يتعرضون لها في البلاد الأجنبية.
هذا وأسأل الله جل وعلا أن يحمي بلادنا وسائر بلاد المسلمين وأبناءهم وبناتهم من كل سوء ومكروه، وأن يجنبهم مكايد الأعداء ومكرهم، وأن يرد كيدهم في نحورهم، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا وجميع ولاة أمور المسلمين لكل ما فيه القضاء على هذه الدعايات الضارة والنشرات الخطيرة، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].

  1. مجلة البحوث الإسلاميه العدد 16 ص 7-10 وصدر بنشرة ضمن مطبوعات الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1404هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 192)