حكم ارتياد الأماكن المحرمة والمبتدع فيها للدعوة إلى الله

السؤال:

كثير من السادة المستمعين يسأل سماحة الشيخ ومن بينهم أحد الإخوة المستمعين يقول عبد الحي عثمان حماد سوداني مقيم في الرياض، أخونا يسأل مع مجموعة من المستمعين الذي يهتمون بالدعوة إلى الله ويقولون: هل لنا أن نرتاد الأماكن المحرمة التي نعرف أنه يرتادها أناس مسلمون للدعوة إلى الله؟

الجواب:

نعم. بل يشرع أن يقصدها الدعاة كالقهاوي التي يكون فيها من يتعاطى ما حرم الله أو المجالس التي يكون فيها أخلاط، فإذا قصدهم.. دعاهم إلى الله ورغبهم في الخير وحذرهم من محارم الله كالخمر والتدخين وحلق اللحى واختلاط النساء بالرجال، فإذا فعل هذا يكون قد أحسن؛ لأنه ما قصدها ليتخذها محلًا له أو لمشاركتهم في أعمالهم القبيحة أو لاتخاذهم أصحابًا لا، إنما قصد ذلك ليعظهم ويذكرهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فهو محسن وله أجره العظيم.

وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه توجه ذات يوم إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج ليعوده وهو مريض، فمر على مجلس فيه أخلاط من اليهود ومن المسلمين ومن عبدة الأوثان وهو على حمار، فنزل عن دابته عليه الصلاة والسلام، ووقف عليهم وتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الإسلام، وذكرهم بالله وهم بهذه الصفة فيهم الأخلاط.. فيهم اليهود وفيهم وثنيون وفيهم مسلمون.

فدل ذلك على أن قصد هذه المجالس التي فيها الأخلاط للدعوة والتوجيه أمر مطلوب، وأن فيه خيرًا كثيرًا ومصالح جمة؛ ولأن كثيرًا منهم لا يتحرى مجالس العلم ولا حلقات العلم، بل قد تمر عليه الشهور أو الأعوام ما سمع المواعظ؛ لأنه ليس من أهل الصلاة وليس من أهل حلقات العلم، وقد يكون كافرًا ليس من أهل الإسلام، فإذا سمع النصيحة هداه الله وانشرح قلبه، وصار لهذا الداعي مثل أجره، وقد يكون عاصيًا فاسقًا فيهديه الله بسبب هذه النصيحة، ويدع ما هو عليه من الباطل، فأنا أرى أن زيارة هذه الأماكن لقصد الدعوة أمر مطلوب. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وما أشبه أماكن العزاء بهذا سماحة الشيخ؟

الشيخ: كذلك مكان العزاء إذا زارهم للنصيحة والتوجيه لا بأس بذلك، وهكذا لو أتى احتفالًا بالأعياد.. بالموالد، الناس الذين يحتفلون بالمولد مثلًا. مولد الرسول ﷺ أو مولد البدوي أو مولد الحسين أو مولد فاطمة في بعض البلدان التي تقيم هذه الحفلات إذا اختلط بهم لقصد الدعوة والتوجيه فقط، لا لأجل الرضا بعملهم أو تكثير سوادهم، على وجه لا يفهم منه أنه يوافقهم، ولا يظهر منه لأحد أنه موافق على هذه البدعة، ولكن على وجه يعلم منه أنه أراد النصيحة، ويصرح بذلك ويقول: أنا جئتكم للنصيحة فقط، لا لأنني موافق على هذا الاحتفال بل أنا أنصحكم أن لا تعودوا إليه، وأن تعتاضوا عنه بالاحتفال الشرعي.. بحلقات العلم ودروس العلم والمواعظ.

أما إيجاد احتفالات لم يشرعها الله في هذه الموالد هذا شيء لا أصل له وهو من البدع، فأنا جئتكم ناصحًا ومذكرًا، لا موافقًا ولا مؤيدًا لهذا العمل الذي يخالف شرع الله، وقد قال الله سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، يعني: فهو مردود، خرجه الإمام مسلم في صحيحه ، وخرجه البخاري رحمه الله في الصحيح تعليقًا مجزومًا به، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم الجمعة: أما بعد.. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلاله، زاد النسائي بإسناد صحيح: وكل ضلالة في النار.

فالنبي في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام يحذر الناس من هذه البدع؛ لأن البدع متى ظهرت في الناس ضيعوا بأسبابها السنن، وقست قلوبهم، وصاروا بهذا معترضين على شرع الله، كأنه سبحانه لم يكمل هذا الشرع، وكأن رسوله لم يبلغ، والله يقول جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فليس لهذه البدع محل، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة، فالاحتفال بالموالد مثلًا أو الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج أو الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو ما أشبه هذا من البدع كل ذلك منكر.

فمن حضر عندهم لبيان الحق وإنكار البدعة وإرشادهم إلى الصواب ونصيحتهم يرجو ما عند الله ويوضح ذلك وأنه جاء لهذا الأمر حتى لا يظن أحد لا يعلم أنه جاء مؤيدًا أو مشاركًا في هذا الأمر، بل يبين على رءوس الأشهاد أنه جاء للدعوة والإرشاد لا للموافقة والتأييد، وفق الله الجميع. نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة