شروط التوبة وسبيل العودة إلى الله تعالى

السؤال:

سماحة الشيخ كما عرض على سماحتكم أكثر من مرة أن كثيرًا من المسلمين يقع في المعاصي، ومنها ترك الصلاة مثلاً كهذا السؤال الذي عرض آنفًا، وكثير من المسلمين ينشد التوبة، ويتلمس طريقها، لكنه لا يدري من أين يبدأ، حبذا لو تفضلتم في هذا المقام سماحة الشيخ برسم طريق صحيح لأولئك الذين يتوقون إلى التوبة، ويتمنونها، ولكن ما زالت أقدامهم تتعثر بعض الشيء، جزاكم الله خيرًا. 

الجواب:

التوبة من أهم المهمات، ومن أعظم الفروض على كل مسلم، يجب على كل مؤمن، وعلى كل مؤمنة التوبة إلى الله سبحانه من جميع الذنوب، وأن يحاسب المؤمن والمؤمنة نفسه في جميع الأوقات حتى يبادر بالتوبة من جميع الذنوب، وحتى يحذر إدمانها، والإصرار عليها، ومن رحمة الله سبحانه، ومن إحسانه إلى عباده أن شرع لهم التوبة، وفتح لهم بابها؛ حتى لا يضرهم الذنب؛ فإن من تاب؛ تاب الله عليه ومن تاب من الذنب فكمن لا ذنب له كما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو أن العبد لا توبة له، لكانت مصيبة عظيمة، فمن ذا الذي يسلم من الذنوب، ولكن من رحمة الله أن من تاب صادقًا مخلصًا لله؛ تاب الله عليه، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، هذه الآية في سورة النور، وقال في سورة التحريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .. [التحريم:8] الآية، وعسى من الله واجبة، والمعنى: أن من تاب؛ كفر الله سيئاته، وأدخله الجنة، وأفلح كما في الآية السابقة، فالتائب مفلح، وله الجنة والكرامة إذا تاب توبة صادقة، والواجب على كل مسلم ومسلمة أن يصدق في التوبة، وأن يحرص عليها، وشروطها ثلاثة:

الندم على الماضي، كونه يندم على معصيته التي سلفت منه، يحزن عليها.

الثاني: الإقلاع منها، تركها والحذر منها.

الثالث: العزم الصادق ألا يعود فيها خوفًا من الله وتعظيمًا له، وإخلاصًا له هكذا التوبة بهذه الشروط الثلاثة، يقال لها: شروط، ويقال لها: أركان التوبة، هي تنبني على هذه الأمور الثلاثة، ولا تحصل إلا بهذه الأمور الثلاثة: الندم على الماضي من السيئات، من زنا، أو سرقة، أو عقوق، أو ترك صلاة، أو ترك زكاة، أو غير ذلك.

الثاني: الإقلاع من المعصية، وتركها والحذر منها، بأن يؤدي الزكاة التي ترك، يحاسب نفسه ويؤدي الزكاة التي تركها عن جميع السنوات الماضية، ويؤدي الحقوق إلى أهلها إن كان عنده حقوق للناس، ومظالم؛ ردها إلى أهلها، وهذا شرط رابع، إذا كان عنده مظالم؛ لابد من ردها إلى أهلها، أو تحلله منها، ومعنى الإقلاع منها: تركها بحيث لا يفعلها.

والأمر الثالث: أنه يعزم عزمًا صادقًا ألا يعود إليها، فلو عاد بعد ذلك أخذ بالذنب الأخير، والذنب الأول راح بالتوبة سقط بالتوبة، لكن إذا عاد بعد التوبة الصادقة للذنب أخذ بالأخير، ثم إذا تاب من الأخير؛ غفره الله له، فإن عاد مرة ثالثة؛ أخذ بالذنب الأخير، وهكذا، إذا كان ذلك بعد توبة صادقة.

أما إذا كان لا، ما عزم على الترك، ندم وترك، ولكن ما عزم على الترك، بل في نيته متى وجدها فعلها، متى قدر عليها فعلها هذا ما تاب، ما يسمى تائبًا، ما يكون تائبًا، حتى يعزم عزمًا صادقًا ألا يعود إليها.

ومن أسباب التوبة كون المؤمن يكثر من القرآن، يتدبر القرآن، ويعرف ما وعد الله به العصاة من العقاب الأليم، وما وعد به الأتقياء من الخير العظيم، ودار الكرامة والنعيم المقيم، يقرأ السنة، يسمع الأحاديث، يحضر حلقات العلم، يحضر مجالس العلم، يصحب العلماء والأخيار كلها من أسباب التوبة.

ومن أسباب التوبة: أن يسأل الله، ويضرع إليه دائمًا يقول: يا رب ارزقني التوبة النصوح، يا رب من علي بالتوبة، يا رب اهدني صراطك المستقيم، يسأل ربه في سجوده، في آخر التحيات قبل السلام، في آخر الليل، في وسط الليل، بين الأذان والإقامة، هذه أوقات عظيمة ترجى فيها الإجابة يسأل ربه يضرع إليه، يقول: اللهم ارزقني التوبة النصوح، اللهم اهدني صراطك المستقيم، اللهم أعذني من الشيطان الرجيم، اللهم أجرني من جلساء السوء، واكفني شرهم، ويعمل، يسأل ويعمل يسأل ربه، ويجتهد في التوبة، والعمل الصالح، ويبتعد عن قرناء السوء، ومجالستهم حتى لا يجروه إلى أعمالهم الرديئة، حتى لا يدعوه إلى ذلك، حتى لا يتأسى بهم؛ لأن المرء على دين خليله، كما قال النبي ﷺ: المرء على دين خليله يعني: حبيبه وصديقه فلينظر أحدكم من يخالل 

ويقول الشاعر: 

عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

يعني: هذا هو الأغلب، وأصدق من هذا قول النبي ﷺ: مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير الجليس الصالح مثل حامل المسك إما أن يحذيك يعني: يعطيك وإما أن تبتاع منه يعني: تشتري منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة أما نافخ الكير، فهو  إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحًا خبيثة

هذا المثل العظيم الذي مثل به النبي ﷺ، للجليس الصالح والجليس السوء، وما ......... المؤمن والمؤمنة بالأخذ بتوجيه النبي ﷺ والعمل بنصيحته وإرشاده -عليه الصلاة والسلام- وذلك باتخاذ الجليس الصالح والصديق الصالح والحذر من جلساء السوء، وهكذا المرأة تحرص على الجليسات الطيبات، والقرينات الطيبات، مع الحذر عن القرينات الخبيثات والصديقات اللاتي يدعينها إلى الباطل.

وهكذا الطالبات في المدارس وغير المدارس، تحرص الطالبة على صحبة الزميلة الطيبة، والتأسي بها والتشاور معها، وتبتعد عن الزميلة الرديئة، وهكذا الطالبة في المدارس، وهكذا المدرسون، وهكذا جميع الناس.

فالواجب على كل واحد أن يحرص على الصاحب الصالح والجليس الصالح، وأن يحذر جليس السوء، وقرين السوء أينما كان، فهذا من أسباب السعادة، ومن أسباب التوفيق، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، إذًا بداية الطريق ما هي -في نقاط لو سمحتم- على طريقة أولًا، ثانيًا؟

الشيخ: بداية الطريق أن يضرع إلى الله -جل وعلا- وأن يسأله أن يمن عليه بالتوبة.

ثانيًا: يحرص على تدبر القرآن الكريم، والإكثار من تلاوته، أو سماعه إذا كان لا يقرأ، سماعه من إذاعة القرآن، أو من أولاده إن كان عنده من يقرأ، أو بناته حتى يستفيد، ويخشع لكلام الله، ويعرف ما في الطاعة من الخير، وما في المعصية من الشر، وما وعد الله به أهل التقوى، وما وعد به أهل المعاصي والشرور.

ثالثًا: جهاد نفسه، يجاهدها حتى يستقيم على الحق، وحتى يدع المعصية، لابد من جهاد، الله يقول -جل وعلا-: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] والمجاهدة هو الذي يلزمها بالحق، كونه يجتهد في الضغط عليها حتى تلتزم بالحق، وحتى تدع الباطل، ويقول سبحانه: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]، ويقول سبحانه: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء:7].

رابعًا: الحرص على الجليس الصالح والجليسة الصالحة والزميل الصالح والزميلة الصالحة، هكذا المؤمن يحرص على الجلساء الصالحين، والرفقاء الطيبين، والمؤمنة كذلك. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وتقبل الله منكم. 

فتاوى ذات صلة