كيفية التعامل مع الابن المتهاون بصلاة الجماعة

السؤال:

إحدى الأخوات المستمعات من الرياض تقول: المرسلة أم عبد الله لها قضية تقول فيها: رجل قارب من العمر الثلاثين عامًا، ويصلي في المنزل غالبًا إلا أنه يحضر الجماعة في بعض الأوقات وفي الجمعة، ولكن لا يبدو عليه الحرص على ملازمة الجماعة، ووالدته تلح عليه في لزوم الجماعة، وهناك من اقترح عليها أن تظهر غضبها عليه، وألا تجالسه لعله يرجع، ولكنها تخاف عليه وتقول: أنصحه..

أريد توجيهًا مفصلًا لهذا الرجل حول أدلة وجوب الجماعة، وما ينبغي للمسلم من طاعة الله وشكره على ما أنعم على الإنسان من نعم صالحة، ومن نعمة الصحة والشباب والعافية وسعة الرزق ولله الحمد.

وما هو الحكم الشرعي في مجالسته ومؤاكلته والحالة هذه؟ ونصيحة أخرى نرجو أن تتفضلوا بتوجيهها للأم وتوصيتها بأي أسلوب تستعمله مع هذا الشاب لعله أن يرجع.

الجواب:

لا ريب أن الصلاة في الجماعة مع المسلمين في بيوت الله من أهم الفرائض، وهي شعار الإسلام، فالواجب على كل مكلف أن يعتني بذلك وأن يبادر ويسارع إلى إقامة الصلاة في الجماعة مع المسلمين، وأن يتباعد عن مشابهة أهل النفاق، قال ابن مسعود : «من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم -وفي لفظ: لكفرتم- ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني: الصلاة في الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل -يعني: من الصحابة- يؤتى به يهادى بين الرجلين -يعني: مريض أو كبير السن- حتى يقام في الصف» من شدة حرصهم على أداء الصلاة في الجماعة .

ويقول النبي ﷺ: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض يعني: خوف إن خرج من بيته أن يقتل أو يسجن أو يضرب؛ لأن البلاد غير آمنة أو مرض يمنعه من ذلك.

وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: أنه أتاه رجل أعمى فقال: يا رسول الله! ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب رواه مسلم في صحيحه.

وفي رواية أخرى في غير مسلم: لا أجد لك رخصة فأخبر ﷺ أنه لا يجد رخصة لأعمى ليس له قائد يلائمه، أن يصلي في بيته بل عليه أن يصلي في المسجد مع الناس، فإذا كان الأعمى الذي ليس له قائد يلائمه، ليس له رخصة فكيف بحال الصحيح المعافى البصير ؟ الأمر أعظم.

وقد هم ﷺ أن يحرق على المتخلفين بيوتهم كما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة -يعني: في المساجد- فأحرق عليهم بيوتهم هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وفي رواية لأحمد: لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم.

فالمقصود أن الصلاة في الجماعة في بيوت الله أمر مفترض، وأمر لازم ومن شعار المسلمين، من شعار أهل الحق، والتخلف عن ذلك في البيوت من شعار المنافقين، فلا ينبغي للمسلم أن يرضى بمشابهة أهل النفاق الذين قال الله فيهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:142-143] ذكرهم سبحانه بخمس صفات المنافقين خمس:

إحداها: أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، ما عندهم نصيحة ولا أمانة، عندهم المكر والخديعة، والكذب في معاملاتهم.

والثانية: أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ما عندهم نشاط لعدم إيمانهم، إنما هو رياء.

الثالثة: أنهم لا يذكرون الله إلا قليلا، ذكرهم لله قليل تغلب عليهم الغفلة.

والرابعة: أنهم أهل رياء يراءون الناس بأعمالهم ليس عندهم إخلاص، الغالب عليهم في أعمالهم الرياء والسمعة، وطلب المحمدة، وليس عندهم إخلاص لله .

والخامسة: أنهم مذبذبون ليس عندهم ثبات، وليس عندهم هدف مستقيم، بل هم تارة مع المؤمنين وتارة مع الكافرين، ليس عندهم قاعدة ولا دين ثابت ولا إيمان صادق، بل إن ظهر المؤمنون ونصروا صاروا مع المؤمنين، وإن ظهر الكفار على المسلمين صاروا مع الكفار، هذه حال المنافقين.

فكيف يرضى المؤمن أن يتشبه بهم في التخلف عن الصلاة في الجماعة؟

والوالدة التي نصحت ولدها في أن يصلي مع الجماعة قد أحسنت، وهذا هو الواجب عليها، والواجب عليها أن تستمر في ذلك، وأن تنصحه دائمًا وتهجره إذا امتنع ولم يمتثل، تستعين عليه بالله، ثم بمن ترى من أقاربه كأبيه وأخيه الكبير وعمه.. ونحو ذلك إذا كان له أقارب صالحين، إذا كان له أقارب صالحون تستعين بالله ثم بهم.

والحاصل أن من يعرف بالتخلف عن الجماعة يستحق الهجر، ويستحق التأديب من ولاة الأمور حتى يستقيم، وحتى يحافظ على الصلاة في الجماعة.

ثم من أعظم المصائب: أن التخلف عنها في الجماعة من أعظم الأسباب في تركها بالكلية نعوذ بالله؛ لأن هذا المرض الذي في القلب الذي أوجب له التخلف سيجره في الغالب إلى الترك وعدم المبالاة، فتارة يصلي وتارة لا يصلي، وقد يحمله على الرياء، إن رأى من يستحي منهم صلى وإن خلا له الجو ترك، هذه حال المنافقين نعوذ بالله.

فالواجب الحذر، والواجب على الوالدة وعلى أقارب الرجل، وعلى أصدقائه أن ينصحوه، وأن يعينوا والدته عليه، وأن يهجروه إذا استمر في باطله وتخلفه، نسأل الله الهداية للجميع.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، تسأل في نهاية السؤال سماحة الشيخ عن مجالسته ومؤاكلته، وترجو منكم التوجيه جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: تعمل ما هو الأصلح، إن رأت أن في مؤاكلته ومجالسته ما يعين على أدائه الواجب والحفاظ على الصلاة فعلت ذلك واجتهدت، فإن لم ينفع ذلك ولم تؤثر فيه هجرته، فلا تجالسه ولا تؤاكله واستحق منها الغضب، أن تغضب عليه، وأن تستعين بمن ترى من أقاربه وأهل الخير في هدايته أو ردعه. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، هذا وهو يحضر بعض الجماعات ويحضر الجمعة؟

الشيخ: ولو، نعم نسأل الله السلامة، لابد من الحضور للجميع والعناية بالجميع، نسأل الله السلامة. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة