حكم رفع الصوت ولطم الخدود عند الموت

السؤال:

سؤال لها مؤثر سماحة الشيخ، تقول فيه: أمي لا تعرف القراءة والكتابة، وأنا أكتب إليكم باسمها هذا السؤال: فهي عندما تذهب إلى أهل المتوفى من أقربائنا عندما تصل إليهم؛ تصيح بأعلى صوتها، وتلطم على خديها وعلى صدرها، وفي بعض الأحيان عندما يكون الشخص قريبًا عليها تتوارى بالتراب، وتشق ثوبها، ونحن ننصحها كثيرًا، ولكن لا ينفع معها النصح، وتقول: ليس أنا وحدي، فكل النساء هكذا، ومنذ زمن بعيد، أتريدين أن تغيرين الزمن؟! هذا شيء مفروض علينا نحن النساء، هي تقول كذلك.

وعندما ننصحها تقول: ما يدريني بأن ما تقولي هو الحق، ربما يكون كذب، أرسلي بسؤال إلى برنامج (نور على الدرب) لكي يتبين الحق من الباطل، وعندما أسمع الجواب فسوف أتوب إلى الله -جل وعلا- وأعرف أني كنت مذنبة ذنبًا عظيمًا، وأستغفر الله العلي العظيم إنه غفور لمن تاب وأناب، وأعترف بخطيئتي. 

أرجو أن تتفضلوا بإيضاح هذا الموضوع، وأن تولوه جل اهتمامكم، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

لا ريب أن لطم الخدود، وشق الثياب، ورفع الصوت بالصياح، والتمرغ بالتراب، أو حثو التراب على الرأس، كل هذا من المنكرات، كله من المحرمات عند المصائب، والرسول ﷺ نهى عن هذا كله، وأبان فيه ما يشفي ويكفي، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية وقال -عليه الصلاة والسلام-: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة.

والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها، وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة، كلها تدل على تحريم هذه الأعمال؛ لكونها تدل على الجزع، وقلة الصبر.

والواجب على المؤمن عند المصائب الصبر والاحتساب، وعدم إظهار ما يدل على الجزع، والله يقول: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] ويقول سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] و لما احتضر ابن لبعض بنات النبي ﷺ أرسلت إليه وطلبت منه الحضور، فقال لرسولها: قل لها: فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فبعثت إليه تؤكد عليه يحضر، وكان رؤوفًا رحيمًا -عليه الصلاة والسلام- يراعي القريب والمسكين، ويراعي أصحابه  ويتلطف بهم، ويرحمهم.

فقام -عليه الصلاة والسلام- وذهب إلى ابنته، فقدموا إليه الطفل ونفسه تقعقع للخروج، فلما رآه، رأى أمارات الموت؛ ذرفت عيناه -عليه الصلاة والسلام- بكاءً، فسئل عن ذلك، فقال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

فالبكاء الذي ليس معه صوت لا بأس به، دمع العين لا بأس به، هي رحمة يجعلها الله في قلوب من يشاء من عباده، فيتأثر عند وجوده عند الميت، وعندما يرى نزع الميت، لكن ليس له أن يفعل ما حرم الله من النياحة، ورفع الصوت، أو شق الثوب، أو لطم الخد، أو حلق الشعر أو قصه، أو ما أشبهه مما يدل على الجزع، وقلة الصبر، وهكذا الكلام السيئ والدعاء بالويل والثبور، كله ممنوع، وإنما الرخصة في دمع العين فقط، من دون صوت، ومن دون شق ثوب، أو لطم الخد، أو حلق شعر، أو ما أشبه ذلك.

وأنت ومن لديك عليك أن تبلغي الوالدة، وأن تنصحيها، ولعلها تسمع هذا الكلام؛ فتستفيد منه -إن شاء الله- لعلها تسمع، فيحصل لها المقصود من البعد عما حرم الله، والصبر على ما قضى الله، والصابرون لهم شأن عظيم، ولهم فضل كبير، حتى قال الله سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] والله يقول: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] وقد ندب النبي ﷺ إلى الصبر في أحاديث كثيرة، ورغب فيه، وقال ﷺ: ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر.

والصبر يتضمن أمورًا ثلاثة: صبرًا على طاعة الله، وصبرًا عن معاصي الله، وصبرًا على المصائب: من موت قريب، وحصول مرض، أو نحو ذلك، فالمؤمن هكذا صبور، صبور على الطاعات حتى يؤديها، صبور عن المعاصي حتى يحذرها، صبور عند المصائب حتى لا يفعل ما حرم الله، من شق ثوب، أو لطم خد، أو نحو ذلك، نسأل الله الهداية، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، الواقع سماحة الشيخ، الصورة التي تذكرها أختنا صورة مؤثرة فيما يبدو لي، والأكثر تأثيرًا: أنهم اعتبروا هذا البرنامج مرجعًا أساسيًا لسلك طريق الحق، وهي منزلة تجعلنا نتفانى في سبيل خدمة هذا البرنامج.

الشيخ: لا شك، الحمد لله، هذا من نعم الله، والحمد لله، نسأل الله أن يوفق القائمين عليه لكل خير، وأن ينفع بهم العباد والبلاد، وأن يسدد لهم الخطا، ويمنحهم إصابة الحق، ولا شك أنه نافع ومفيد، والذين يستمعونه يشهدون له بذلك، فنسأل الله أن يوفق القائمين عليه للصبر والمصابرة، وإصابة الحق.

المقدم: اللهم آمين، نسأل الله أن يكون خالصًا لوجهه.

الشيخ: اللهم آمين. 

فتاوى ذات صلة