حكم الصلاة خلف من وقع في بعض الشركيات

السؤال:

من المملكة الأردنية الهاشمية رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع (م. أ. م) يقول: هل تجوز الصلاة خلف إمام واقع في بعض الشركيات، وإن كان جاهلًا بحكم ما وقع فيه؟ 

الجواب:

لا تجوز الصلاة خلف من يتعاطى بعض الشركيات بعد التأكد من ذلك؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا الشيء شرك، وليس بشرك، فإذا علم أن هذا الإمام يتعاطى بعض الأعمال الشركية؛ لم تجز الصلاة خلفه، فإذا علم أنه يدعو غير الله، كـالبدوي، أو الحسين، أو الحسن ابني علي بن أبي طالب أو الشيخ عبدالقادر، أو غير ذلك من الناس، أو يدعو الرسول ﷺ أو غيره من الأنبياء، هذا لا يصلى خلفه، هذا كافر، لا يصلى خلفه.

أما إذا كان حلف بغير الله؛ فهذا ليس بشرك أكبر، بل هو شرك أصغر، كالذي يقول: بالكعبة، أو بالنبي ﷺ أو بالأمانة، هذا الصلاة خلفه صحيحة؛ لأن هذا شرك أصغر، لا يخرجه من الإسلام، ولا ينبغي أن يبقى إمامًا، هذا ينبغي أن يزال من الإمامة، إلا أن يتوب، ويعرف الحكم الشرعي، فإذا تاب؛ تاب الله عليه، لكن ما دام مصرًا على الحلف بغير الله، أو على المعاصي الظاهرة؛ فإنه لا ينبغي أن يبقى إمامًا، وهو يتعاطى بعض المعاصي الظاهرة، أو بعض الشركيات من الشرك الأصغر، ينبغي أن يزال، ويستبدل بمن هو أصلح منه.

أما إذا تعاطى ما هو شرك أكبر، كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو بالأصنام، أو بالأنبياء، أو بالجن، أو بالملائكة هذا شرك أكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين، الظلم إذا أطلق فهو الشرك، كما قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].

وقال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] وقال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] فسماهم كفرة بدعائهم غير الله -جل وعلا- بدعاء الأموات من صالح، أو نبي، أو غيره، أو دعاء الملائكة، ولو أنهم أحياء مشغولون بشأنهم، لا يستطيعون أن يجيبوك، أو الجن كذلك، قال الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] القطمير: اللفافة التي على نواة التمر وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  [فاطر:14]  فسمى دعاءهم شركًا، فعلم بذلك أن دعاء الأموات، أو الملائكة، أو الجن كله شرك أكبر يجب الحذر منه.

وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] أحدًا هذا عام، يعم الأنبياء والملائكة والجن والصالحين وغيرهم، نكرة في سياق النهي تعم كل أحد، والله يقول سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ويقول : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. فالشرك الذي عليه كفار قريش هو هذا، كانوا يعبدون الأصنام، ويدعون هبل واللات والعزى وغيرها من الأصنام والأموات، يستغيثون بهم، ينذرون لهم، فبعث الله النبي محمد ﷺ يدعوهم إلى توحيد الله، ويحذرهم من هذا الشرك، فلما أصروا، واستكبروا؛ هاجر من بينهم إلى المدينة المنورة، وأقام الله به دينه هناك، وصارت العاصمة الإسلامية هناك، ثم جرى بينه وبينهم من الحروب ما هو معروف، من حرب بدر وأحد والخندق، ونصره الله عليهم في بدر والخندق، وابتلي المسلمون في أحد بما يجعله الله طهورًا لهم، ثم فتح الله عليه مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.

فالحاصل: أن هذا الشرك الذي يفعله الناس اليوم عند البدوي، أو عند الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو عند غيرهم، كل ذلك هو الشرك الذي فعلته الجاهلية، كله شرك قريش وأشباههم من دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والطواف بالقبور، وغير هذا من أنواع الشرك، نسأل الله السلامة والعافية.

والواجب على العلماء أن ينصحوا الناس، على العلماء في كل بلد أن يتقوا الله، وأن يعلنوا النصيحة بالكتابة، وبالخطب في الجمع، وزيارة المقابر؛ حتى يدعوا من كان حول المقابر، يعلمونهم، ويرشدونهم إلى الزيارة الشرعية، الزيارة الشرعية أن تزور القبور للدعاء لهم، والترحم عليهم، هذه الزيارة الشرعية، يقول النبي ﷺ: زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة وكان ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.

وكان إذا زار البقيع -عليه الصلاة والسلام- يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، غدًا مؤجلون، أتاكم ما توعدون، ثم يقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ما كان يدعوهم، ولا يستغيث بهم، ولا الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ولا أهل العلم والإيمان.

لا يجوز لأحد أن يطمئن إلى رأيه، وإلى هواه، بل يسأل ويتفقه في الدين، ويقرأ القرآن، ويقرأ السنة، وينظر في سيرة الصحابة، سيرة النبي ﷺ والصحابة، ينظر في السيرة سيرة النبي ﷺ مع أهل مكة، لما كان في مكة حين دعاهم إلى التوحيد، وينظر سيرته مع أهل المدينة، وينظر سيرة الصحابة، وما كانوا عليه، حتى يكون على بصيرة، هذا هو الدين، الدين ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، هذا هو الدين، أما ما أحدثه الناس بعد ذلك مما يخالفه فليس هو الدين، نسأل الله للجميع الهداية والبصيرة والفقه في الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نعم. 

فتاوى ذات صلة