قيام الليل .. صفته ووقته وفضله

السؤال:

رسالة من أحد الإخوة المستمعين يقول: صالح أحمد عالي الغامدي أخونا له جمع من الأسئلة في سؤاله الأول يقول: كم عدد ركعات صلاة الليل؟ وهل هي سرية أم جهرية؟ وهل تصح جماعة؟ وما هو وقتها؟ علمًا أنني أصليها بعد منتصف الليل، وأوقات قبل ذلك، وأصليها أربع ركعات، ثم أوتر بركعة أرجو التوضيح والتوجيه؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

صلاة الليل ليس لها عدد محصور، ولو صلى مائة ركعة وأوتر بواحدة أو أكثر من ذلك لا بأس بذلك، ليس لها عدد محصور، الله جل وعلا ندب إلى صلاة الليل وحث عليها في كتابه العظيم قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۝ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ۝ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]، وقال في وصف عباده المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] ، وقال عن عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].

لكن الأفضل أن يوتر بمثل ما فعل النبي ﷺ إحدى عشرة أو ثلاث عشرة يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة هذا هو الأفضل.

وإذا أوتر بأكثر من ذلك بعشرين أو بأربعين أو بأكثر من ذلك وختم بواحدة فلا بأس بذلك، لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة هذا يدل على أن صلاة الليل ليس لها حد؛ ولهذا قال: صلاة الليل مثنى مثنى ولم يحد بحد عشر أو أكثر أو أقل، قال: فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة واحدة توتر له ما قد صلى هذا هو المشروع في هذا الباب.

ثم وقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد صلاة العشاء وسنة الراتبة إلى طلوع الفجر كله محل تهجد بالليل.

وأفضل ذلك آخر الليل الثلث الأخير هذا أفضل ذلك، وإن أوتر في أول الليل أو من وسطه فلا بأس، قد فعل النبي ﷺ هذا كله، قد أوتر من أول الليل عليه الصلاة والسلام، وأوتر من وسطه، وأوتر من آخره، كما قالت عائشة رضي الله عنها، ثم استقر وتره في السحر عليه الصلاة والسلام.

ولا مانع أن يصليها جماعة في بعض الأحيان مع أهله، أو مع زواره من غير أن يتخذها عادة، لكن إذا صادف ذلك أنه زاره بعض إخوانه فصلوا جماعة لا بأس، وقد زار سلمان أبا الدرداء في بعض الليالي وصليا جماعة في الليل، والنبي ﷺ زار محل أنس وصلى الضحى بهم جماعة عليه الصلاة والسلام.

فالمقصود أنه إذا صلى النافلة جماعة في بعض الأحيان من غير اتخاذ ذلك عادة راتبة فلا بأس بذلك، ولا حرج في ذلك.

والوتر أقله واحدة، ولا حد لأكثره، لكن الأفضل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة هذا هو الأفضل، لفعل النبي ﷺ.

المقدم: من أسئلته سماحة الشيخ: هل هي سرية أم جهرية؟

الشيخ: سرية وجهرية، يجوز أن يجهر ويجوز أن يسر، تقول عائشة رضي الله عنها: «كل ذلك قد فعله النبي ﷺ »، ربما جهر بالقراءة وربما أسر عليه الصلاة والسلام.

فالمؤمن يفعل ما هو أصلح لقلبه، وما هو أخشع له، فإذا كانت قراءته جهرة أخشع لقلبه جهر، وإذا كانت السرية أخشع لقلبه وأرفق به فعل ذلك سرية. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا؛ للبرنامج بعض الأسئلة حول قيام الليل شيخ عبد العزيز .

الشيخ: نعم.

المقدم: رأيكم في الصوارف عن قيام الليل وما أكثرها في هذا الزمان؟

الشيخ: المؤمن ينبغي له أن يبذل وسعه في قيام الليل، وإذا خشي أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، كما قال النبي ﷺ في حديث جابر عند مسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر  ولأن الرسول ﷺ أوتر من أول الليل، وأوتر من وسطه، وأوتر من آخره، فالأمر واسع، وقد أوصى عليه الصلاة والسلام أبا الدرداء و أبا هريرة بالوتر أول الليل، والسر في ذلك والله أعلم أنهما كانا يدرسان الحديث، فربما شق عليهما القيام في آخر الليل، فأوصاهما بالإيتار قبل النوم.

فالمؤمن يجاهد نفسه في هذا والحمد لله ليس بفريضة إنما هو سنة، سنة مؤكدة وكان يفعله النبي في السفر والحضر عليه الصلاة والسلام، كان في السفر والحضر يوتر ويتهجد بالليل عليه الصلاة والسلام.

فمن فعل هذا فقد أحسن وله أجر عظيم ومن ترك ذلك فلا حرج عليه لكنه ترك أمرًا عظيمًا وسنة كبيرة، نعم.

المقدم: صلاة الرجل بأهل بيته، كيف يكون التوجيه بخصوصها شيخ عبد العزيز ؟

الشيخ: إن شاء فعل وإن شاء ترك، النبي ﷺ كان يصلي وحده، ما كان يصلي بأهل بيته، كان يصلي وحده ﷺ فإذا جاء الوتر أيقظ عائشة لتوتر.

فالمقصود أنه ﷺ كان فيما علمنا يصلي وحده عليه الصلاة والسلام في تهجده بالليل، فإذا تهجد الإنسان بالليل وحده فلا بأس، وإن صلى بأهله أو بجماعة زاروه فلا بأس. نعم.

المقدم: شيخ عبد العزيز ، المرغبات كثيرة في ديننا حبذا لو تفضلتم بذكر بعض منها ولاسيما فيما يخص صلاة الليل؟

الشيخ: مثلما تقدم صلاة الليل عبادة عظيمة ومن سنة الأنبياء ومن دأب الصالحين، وهي مثلما في الحديث تكفر السيئات، وقربة إلى الله ، وهي من دأب الصالحين قبلنا.

فينبغي للمؤمن أن يعتادها وأن يفعلها تأسيًا بالأنبياء والأخيار، كما قال سبحانه في عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64] ، وقال في المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] ، وقال سبحانه في أهل الصلاح والخير: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

والله جل وعلا في كتابه العظيم رغب فيها كثيرًا، وهكذا نبيه عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن أن يستكثر من ذلك وأن يعتاد ذلك، وأن لا يخل بذلك لا سفرًا ولا حضرًا. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، أعود مرة أخرى للصوارف عن قيام الليل؟

الشيخ: من الصوارف السهر، يعني السهر في القيل والقال، والأحاديث التي لا فائدة فيها، أو في مشاغل الدنيا كالصناعة والجشع والحرص على المال، يعمل ليلًا ونهارًا لجمع المال والحرص على المال، فإذا سقط في الفراش سقط سقوط الميت، لا يستطيع أن ينهض للعبادة، وربما ترك صلاة الفجر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فينبغي للمؤمن أن ينام مبكرًا ويجتهد في ذلك، حتى يستطيع أن يقوم من آخر الليل، أو يصلي من الليل ما تيسر قبل أن ينام، ثم ينام مبكرًا، حتى يستطيع القيام لصلاة الفجر ويصليها في الجماعة، فمن فعل ذلك فقد أحسن، ومن تساهل وقع فيما وقع فيه المنافقون، من فوات الخير والحصول على الشر والندامة، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، فالمؤمن ينبغي له البعد عن التشبه بهم في جميع الأحوال. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. أرجو أن نعود إلى البحث والمناقشة حول هذه القضية في حلقات قادمة شيخ عبد العزيز .

الشيخ: نرجو ذلك. نعم.

المقدم: إن شاء الله.

فتاوى ذات صلة