حكم تعظيم الرب في الركوع بما لم يرد في السنة

السؤال:

سؤال طويل لأخينا كالتالي: يقول الرسول ﷺ في حديث له: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم وفي صلاة للرسول ﷺ قال رجل -عند الرفع من الركوع بعد قوله: ربنا ولك الحمد- "حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه" وعندما انتهى الرسول ﷺ من الصلاة سأل عن القائل لهذا الكلام، فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال ﷺ: لقد رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول فأقر رسول الله ﷺ ما قاله الرجل، السؤال: هل يفهم مما تقدم أن يقول الواحد في صلاته في الركوع مما يرى فيه تعظيمًا للرب كقوله: سبحانك يا مالك زمام الخلق، وبيده كل شيء، أحمدك حمدًا كثيرًا، مما فيه تعظيم للرب؟ أو أن يقول في السجود بأي دعاء من أمر الدنيا والآخرة، وأقصد بذلك عدم الاقتصار على أذكار الركوع والسجود الواردة عن رسول الله ﷺ؛ وذلك لأن الصحابة كانوا يأتون بدعاء فيقره رسول الله ﷺ؟

الجواب:

الحديث المذكور في النهي عن القراءة راكعًا وساجدًا ثابت، رواه مسلم في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي ﷺ أنه قال: إني نهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم المعنى: حري أن يستجاب لكم، وقد روي معنى شطره الأول عن علي ، أنه ثبت عن علي أيضًا في النهي عن القراءة راكعًا أو ساجدًا، فلا يجوز للمسلم أن يقرأ في الركوع والسجود، لكن لو دعا في السجود بدعاء يوافق ما في القرآن لم يكن قارئًا، إذا أراد الدعاء فقط، كأن يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] ، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] لا يقصد القراءة يقصد الدعاء فلا حرج في ذلك، وكذلك إذا عظم الرب بأنواع من التعظيم لم ترد لا بأس؛ لأن الرسول ﷺ قال: عظموا فيه الرب فعمم، فإذا قال من التعظيم ما قاله السائل، أو اقتصر على الوارد كله طيب، وكونه يقتصر على الوارد، ويكثر من الوارد، ويكرر أفضل؛ ولهذا قال ﷺ لما سمع الرجل قال: حمدًا كثيرًا طيبًا، قال: لقد رأيت -كذا مثلما في السؤال- بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها فأقرها.

فدل ذلك على استحباب مثل هذا التحميد، أن يقول: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد؛ لأن الرسول ﷺ فعل بعض هذا، وأقر هذه الزيادة "حمدًا كثيرًا" وكان يقول ﷺ: ربنا ولك الحمد وربما قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد فلما أقر الرجل على قوله: "حمدًا كثيرًا" إلى آخره دل على شرعية ذلك، وأن يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد؛ لأن هذا كله ثناء.

وكان ﷺ ربما زاد: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد في وقوفه بعد الركوع، في اعتداله بعد الركوع، كل هذا مشروع، أقله اللهم ربنا لك الحمد، أو ربنا ولك الحمد، هذا الواجب عند جمع من أهل العلم، وأكثر أهل العلم على أنه سنة، لكن القول بوجوب هذا المقدار هو الأصح؛ لأن الرسول أمر به -عليه الصلاة والسلام-، وما زاد على ذلك فهو كله سنة.

قوله: حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وقوله: ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد كل هذا سنة، كذلك قوله: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد يعني: ولا ينفع ذا الغنى والحظ والبخت منك غناه، فالمعنى: كلنا فقراء إلى الله ، فإذا أتى بهذا تارة وحذفه تارة فلا بأس لأنه سنة.

والدعاء كذلك يدعو بما يسر الله من الدعاء، ولكن تحري الدعاء الوارد أفضل، كما أنه يتحرى التعظيم الوارد في الركوع والسجود سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي هذا مما ورد في الركوع والسجود سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم ولو قال: سبحان الملك العظيم، أو سبحان الله العظيم كله تعظيم كله تعظيم.

لكن كونه يتحرى الأذكار الواردة في الركوع والدعوات الواردة في السجود كله طيب أفضل من غيره، ولكن إذا دعت الحاجة إلى أن يدعو بدعوات أخرى فيدعو؛ لقوله ﷺ: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء وللحديث الثاني رواه مسلم في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء رواه مسلم.

فهذا يدل على أنه يشرع إكثار الدعاء في السجود بما يحتاجه المسلم، فإذا كان محتاجًا للزواج قال: اللهم يسر لي زوجة صالحة، أو للذرية اللهم يسر لي ذرية طيبة، أو لكسب حلال، قال: اللهم يسر لي كسبًا حلالًا كل هذا لا بأس به؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وإذا أكثر من الدعوات المشروعة الواردة كان أفضل، مثل: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره؛ لأن هذا ورد عن النبي ﷺ.

كذلك: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم هذا دعاء وارد عن النبي ﷺ، أو اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت هذا من الدعاء الوارد، ولكن يشرع مع هذا أن يقول: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح يقوله في السجود كما يقوله في الركوع أيضًا، ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع والسجود، هذا تعظيم معه دعاء، قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة