هل يقع الطلاق البدعي؟

السؤال:

هذه رسالة وردتنا من عبدالمجيد عبده أحمد، من الرياض، يسأل فيها عن الطلاق البدعي، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هل يقع الطلاق البدعي؛ كأن يطلق الرجل ثلاثًا دفعة واحدة، أو يطلق في طهر واقع فيه؟ وكيف نخرج حديث ابن عمر الذي أمره النبي ﷺ أن يراجع حينما طلق في طهر واقع فيه؟ 

الجواب:

الطلاق البدعي يكون في الزمان، ويكون بالعدد، أما في العدد فهو أن يطلق ثلاثًا بكلمة واحدة، فيقول: طالق بالثلاث، أو بالكلمات يقول: طالق، ثم طالق، ثم طالق، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق، أو تراك طالق، تراك طالق، تراك طالق، هذا بدعي.

والسنة أن يطلق واحدة فقط، هكذا السنة، ولا يزيد عليها؛ لأنه قد يندم فيتراجع، ولا يغلق الباب على نفسه؛ ولأن الله شرع الطلاق واحدة بعد واحدة، لا دفعة واحدة؛ لأن الإنسان قد يغضب، وقد يبدو له حال، فيطلق، ثم يندم ويرى أنه قد غلط فيراجع إذا لم يطلق بالثلاث. 

ولكن اختلف العلماء في إيقاع الثلاث بكلمة واحدة، هل يقع وتكون بائنًا من زوجها بذلك أم لا يقع به إلا واحدة، أم لا يقع بالكلية؟ الجمهور من أهل العلم على أنه يقع، وتكون به المرأة بائنًا، لا تحل لمطلقها إلا بعد زوج، وبعد إصابة، اتباعًا لـعمر حين قضى بذلك وأرضاه.

ويذهب بعض أهل العلم من التابعين ومن بعدهم وهو رواية عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، ويروى عن علي والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف أنها تحسب واحدة رجعية؛ لما ثبت عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه سأله أبو الصهباء فقال: "يا ابن عباس ألم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي ﷺ وعهد أبي بكر وفي أول خلافة عمر؟ فقال ابن عباس: بلى" فاحتج هؤلاء العلماء بهذا الحديث على أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر واحدة، وهذا رواية ثابتة عن ابن عباس أن هذا يعتبر واحدة إذا وقعت بكلمة واحدة.

أما إذا وقعت بألفاظ مثل: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أوتراك طالق، وتراك طالق، تراك طالق، أو أنت طالق، وطالق، وطالق، وما أشبه ذلك، فهذا الذي أعلمه عن أهل العلم أنها تقع، تقع الثلاث كلها، وتبين بها المرأة بينونة كبرى، لا تحل لزوجها المطلق إلا بعد زوج وإصابة.

ولا أعلم إلى وقتي هذا أحدًا من الصحابة، أو من التابعين صرح بأن هذا لا يقع به إلا واحدة، بل ظاهر ما سمعت وما قرأت أنه يقع كله تقع الثلاث كلها، وقد رأى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه لا يقع إلا واحدة، كما لو طلق بالثلاث بكلمة واحدة، وجعل هذا مثل هذا، وجعل الطلاق الذي يقع بعد الأولى إنما يكون بعد نكاح أو بعد رجعة، أما إذا كان ألحقها الثانية والثالثة من دون نكاح ولا رجعة، أن هذا لا يقع، هذا كلامه -رحمه الله-، ولكني لا أعلم له أصلًا واضحًا يعتمد عليه من جهة النقل، وإن كان وجيهًا من جهة المعنى، لكن لا أعلم له أصلًا من جهة النقل؛ ولهذا فالذي أفتي به أنها تقع الثلاث على ظاهر ما نقل عن السلف الصالح في هذا، وإنما تعتبر الثلاث المجموعة طلقة واحدة إذا كان بلفظ واحد: أنت طالق بالثلاث، أو فلانة مطلقة بالثلاث، أو ما أشبه هذه الألفاظ على ما جاء عن ابن عباس إذا كان بكلمة واحدة.

أما البدعي من جهة الزمان، يعني: من جهة حال المرأة، فهو إذا كانت في الحيض، أو في النفاس، أو في طهر جامعها فيه، هذا يقال له: طلاقًا بدعيًا، والأصل في ذلك ما رواه ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، فبلغ ذلك النبي ﷺ بلغه عمر؛ فقال له النبي ﷺ قال لـعمر: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء يعني في قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] وبهذا يعلم أن ابن عمر طلقها في الحيض لا في طهر جامعها فيه، بل طلق في الحيض، لا كما قال السائل، ابن عمر طلقها في الحيض، لا في طهر جامعها فيه، لكن الرسول ﷺ أرشده إلى أن الطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، فهذا السنة، أو في حال حمل؛ ولهذا في اللفظ الآخر: ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا فالطلاق السني، الطلاق السني أن يكون في حال طهر لم يجامعها فيه، أو في حال استبانة حملها، وظهور حملها، هذا هو الطلاق الشرعي.

أما طلاقها وهي حائض أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، ولم يستبن حملها؛ فهذا يسمى طلاقًا بدعيًا في هذه الثلاثة المواضع: في حال النفاس، في حال الحيض، في حال طهر جامعها فيه، ولم يستبن حملها، هذه الثلاث الحالات الطلاق فيها بدعي، والحالان الأوليان سني: في حال كونها طاهرًا لم يجامعها في طهرها، وفي حال كونها حاملًا قد استبان حملها، فهاتان الحالتان الطلاق فيهما سني لا بدعي.

أما الحالات الثلاث: حال الحيض، والنفاس، وحالة الطهر الذي جامعها فيه، هذه الطلاق فيها بدعي، لا يجوز للزوج أن يطلق في هذه الأحوال الثلاثة: لا في حال الحيض، ولا في حال النفاس، ولا في حال طهر جامعها فيه.

وإذا أراد أن يطلق، يسألها ويقول: ما هي حالها، يستفصل ويتثبت في الأمر، ولا يطلق في حال الغضب؛ لأن الغضبان ضعيف البصيرة، فالذي ينبغي له ألا يطلق في حال الغضب، بل يتثبت في الأمر، ولا يعجل، ويتعوذ بالله من الشيطان في حال الغضب، ثم إذا عزم على الطلاق ينظر، فإن كانت في حيض، أو في نفاس، أو في طهر جامعها فيه، فلا يطلق، وهذا من رحمة الله؛ لأنه سبحانه يحب أن تبقى الزوجية، ويكره الطلاق كما في الحديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق.

فمن رحمة الله أن ضيق طرق الطلاق، فجعله واحدة فقط على السنة، وجعله لا ينبغي أن يوقع إلا في حالين: في حال الطهر الذي لم يجامعها فيه، وحال ظهور حملها، أما في حال الحيض والنفاس، وفي حال الطهر الذي جامعها فيه؛ فينهى عن الطلاق، وهذا كله من تيسير الله، ومن تضييق مسالك الطلاق، وأوجه الطلاق؛ حتى تبقى الزوجية أكثر.

ثم اختلف العلماء في هذا هل يقع الطلاق البدعي أم لا يقع؟ نحن اتضح الآن أنه محرم، ولا يجوز للزوج أن يقدم عليه، لكن هل يقع إذا أقدم وعصى ربه وفعل؟ هل يقع أم لا يقع؟ على قولين:

أحدهما أنه يقع، مع الإثم، وهذا هو المشهور عند العلماء، وهو الذي فعله ابن عمر، فإنه أوقع على نفسه الطلقة لما طلق لما سئل قال: كيف وإن عجزت واستحمقت، قال: مه، قال: نافع وغيره إنه أوقعها، وإنه احتسبها، وروى البخاري: أنه احتسبت تطليقة عليه.

وذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذا الطلاق لا يحتسب، ولا يقع، وهو ما روي عن ابن عمر نفسه  إذ روى عنه محمد بن عبدالسلام الخشني الحافظ المشهور بإسناد جيد، أنه سئل ابن عمر عمن طلق زوجته وهي حائض هل يقع؟ قال: لا يقع. قال: لا يعتد به.

وجاء هذا عن خلاس بن عمرو الهجري، وعن طاوس وآخرين أنه لا يقع؛ لأنه محرم فلا يقع؛ لأن ما نهى الله عنه فهو جدير بعدم الإيقاع؛ ولهذا البيع المنهي عنه مع أنه بيع فاسد، والنكاح مع العيب فاسد، لا يقع، فهكذا الطلاق المنهي عنه لا يقع، بخلاف الطلاق الثلاث فإنه يحتسب واحدة، تقع منه واحدة، كما تقدم إذا كان بلفظ واحد، وهذا القول الذي رآه بعض أهل العلم، وإن كان الخلاف المشهور، وخلاف الأكثر، فهذا القول أظهر في الدليل، وأقوى في الدليل أنه لا يقع؛ لكونه بدعيًاً على خلاف أمر الله، والله يقول: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] وهذا طلقها في غير العدة فلا يقع طلاقه، بل يكون عملًا ليس عليه أمر النبي ﷺ، فيكون مردودًا، قال -عليه الصلاة والسلام-: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني: فهو مردود، وهذا هو الأظهر، نعم.

فتاوى ذات صلة