حكم طلاق المرأة في حال طهرها

السؤال:

هذا سؤال من المستمع (م. ج الحارثي) من الرياض يقول: حصل بيني وبين زوجتي ذات يوم خلاف، وغضبت غضبًا شديدًا، وطلقتها بالثلاث كل طلقة لوحدها، بأن قلت: طالق، ثم طالق، ثم طالق، وقد أتتها العادة الشهرية في ذلك اليوم بعد الطلاق، وقد استفتيت أحد العلماء وأفتاني بجواز رجوعها، واسترجعتها بأن أشهدت شاهدين، وبعد مرور عام منعتها من أن تذهب إلى أحد الجيران، ولم تمتنع، وجاءتني وأنا غاضب، وطلقتها طلقتين، وأريد الآن أن أسترجعها مرة أخرى، وقد سمعت بأن طلاقي الأول لا يجوز أن أسترجعها بعده، فما هو الحكم الصحيح في هذا الموضوع؟

أفيدوني، بارك الله فيكم.

الجواب:

الطلاق الأول فيه تفصيل، فإن كان في طهر جامعتها فيه، فالصحيح: أنه لا يقع؛ لما ثبت عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال له النبي ﷺ: راجعها وبين له أن الطلاق الشرعي يطلقها في في قبول عدتها، طاهرًا أو حاملًا؛ لقوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[الطلاق:1] قال العلماء: معنى ذلك: طلقوهن طاهرات من غير جماع، فإذا كان الطلاق وقع في طهر لم يجامعها فيه، وكان الغضب ليس بشديد فقد وقع الطلاق، والرجعة لا محل لها، الذي أفتاه في ذلك قد أفتاه بغير صواب.

أما إن كان الطلاق وقع في شدة الغضب؛ لأن كان بينهما خصام شديد حتى استحكم عليه الغضب، واشتد به الغضب، ولم يملك نفسه في ذلك، فإن الطلاق حينئذٍ لا يقع، ويكون السائل حينئذٍ قد أمسك زوجته، ولا يسمى رجعة، وإنما ردها إليه لكون الطلاق لم يقع.

والخلاصة: أن السائل المذكور له حالان:
إحداهما: أن يكون طلق في طهر جامع فيه، فهذا لا يقع على الصحيح، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك، لكن هذا قول جماعة من السلف أنه لا يقع؛ لحديث ابن عمر؛ لكونه طلق في غير العدة فلا يقع.
الحال الثاني: أن يكون طلق في طهر لم يجامع فيه؛ لكنه قد اشتد به الغضب شدة واضحة، ليس غضبًا عاديًا، بل غضب شديد؛ لأنه طال النزاع بينهما، أو المسابة والمشاتمة، حتى استحكم به الغضب، واشتد به الغضب حتى قارب عدم الشعور بسبب شدة الغضب، فهذا لا يقع أيضًا على الصحيح؛ لأن شدة الغضب تجعل الإنسان كالمجنون وكالمعتوه لا يميز ما يضره وما ينفعه، ويكون كالمكره المدفوع بالقوة حتى أوقع الطلاق، في هاتين الحالتين هذا الطلاق غير واقع.

أما إن كان الغضب ليس شديدًا، بل عاديًا، وكان طلقها في طهر لم يجامعها فيه، فإن الطلاق ماضٍ، وعليه أن يفارقها، ويبتعد عنها، والطلاق الأخير غير واقع؛ لأنه صادفها غير زوجة، وإن كان قد وطئها فوطؤه لها ليس في محله، ويكون الطلاق الأخير صادفها في غير نكاح فلا يقع، وتكون قد بانت بالطلاق الأول.

وعليك -أيها السائل- التوبة من ردك إياها، وجماعك إياها بعد الطلاق، هذا هو الجواب عن هذا السؤال، وأرجو أن السائل فهمه، فإن السؤال هذا مهم، والجواب مهم.

وأعيده مرة أخرى:
أيها السائل! لك حالان:
إحداهما: أن تكون طلقتها في طهر جامعتها فيه.
أو في حالة ثانية: وهي شدة الغضب الشديد الذي يشبه أن تكون فاقد الشعور لشدة الغضب، بسبب طول النزاع أو المضاربة أو المشاتمة، فالطلاق في هاتين الحالتين غير واقع، وزوجتك معك وينظر في الطلاق الأخير.
أما إن كنت طلقتها في طهر لم تجامع فيه، وغضب ليس بالشديد، فالطلاق قد وقع، وهي غير زوجة لك، وعليك أن تسرحها، والطلاق الأخير لا يقع عليها إن صادفها ليس بزوجة.

أما الطلاق الثاني إذا صادف أنها زوجة، وأن الطلاق الأول لم يقع لشدة الغضب، أو لكون المرأة طلقت في طهر جامعتها فيه، أو للأمرين، وقع الطلاق في طهر جامعتها فيه، مع شدة الغضب أيضًا، فإن هذا لا يقع، والطلاق الثاني يقع، إذا كنت طلقتها طلقتين بألفاظ دل على ذلك بأن قلت: طالق ثم طالق، أو طالق وطالق، أو قلت: طالق طالق وأردت الطلقتين فإنها تقع الطلقتان.

أما إن كنت قلت: طالق طالق، ولم تنو الطلقتين، قلت: طالق طالق بلفظك بغضب أو شبهه، ولكن لم تنو الطلقتين فإن الطلاق الثاني يكون مؤكدًا للطلاق الأول، ولا يقع به إلا واحدة، إذا قلت: طالق طالق بدون واو وبدون ثم وبدون شيء آخر؛ طالق طالق، هذا عند العلماء في حكم الطلقة الواحدة، ويكون اللفظ الثاني مؤكدًا للفظ الأول، ولا يقع به طلقة ثانية، أما إذا كنت قلت: طالق وطالق، أو طالق ثم طالق، أو أنت طالق أنت طالق، أو تراك طالق تراك طالق، ولم تنو تأكيدًا في قولك: تراك طالق، تراك طالق، ولم تنو إفهامًا لها، وهكذا لو قلت: طالق طالق ونويت الثنتين، فإن هذا يقع، يقع به الطلقتان: طالق وطالق، طالق ثم طالق، أنت طالق أنت طالق، تراك طالق، تراك طالق، يقع به اثنتان إلا إن كنت نويت بالثانية في قولك: طالق طالق نويت به تأكيدًا أو إفهامًا، أو ما نويت شيئًا في قولك: طالق طالق، فإنه لا يقع إلا واحدة، وهكذا إذا قلت: أنت طالق أنت طالق، أو تراك طالق، تراك طالق، ونويت التأكيد بالثانية أو الإفهام لم يقع إلا واحدة، وإلا فالأصل وقوع الثنتين، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم.

فتاوى ذات صلة