حكم التنجيم وطلاق مختل الشعور

السؤال:

ونعرض عليه أول سؤال ورد إلينا من المستمع: (ص. خ. ن) مقيم بالمملكة، يقول: هو شاب متزوج، وقد أصابه مرض شبيه بالجنون، فهو دائم القلق والتشنج، وكثير الوساوس؛ ولسوء الحظ فهو يعيش بين أسرة تؤمن بالتنجيم والتطير؛ ولذلك فقد أشاروا عليه بأن يطلق زوجته، فهي السبب في كل ما أصابه؛ لأن نجمها نحس كما يقولون، ولا يزول مرضه إلا بفراقها وطمعًا في الشفاء فقد نطق بطلاقها بالثلاث، وليس عنده أحد، ولا حتى زوجته، ولم يخبر أحدًا بذلك؛ خوفًا من خروجها من بيته، وعدم عودتها إليه، وبقيت مدة عنده إلى أن وضعت مولودًا، يقول: وقد سألت عن هذا فقيل لي: عليها عدة بعد أن تخبرها، ثم تسترجعها، ومضى إلى الآن أربع سنين، وقد سألت أيضًا آخر فقال: ليس عليك طلاق، ولا عليها عدة، ولكن تب إلى الله. 

فأرجو إفادتي عما يترتب على هذا الطلاق، فالزوجة لا زالت عندي في البيت، وحالتي الصحية كما هي لم أستفد شيئًا من فعل ذلك. 

وما هي نصيحتكم لمن يعتقد الصحة والنفع في مثل تلك الأعمال؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم. 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن التنجيم أمر منكر، وهو من شعب السحر، وقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد والتنجيم محرم عند أهل العلم إجماعًا، وهو اعتقاد أن النجوم لها أثر في الحوادث من صحة ومرض وفقر وغنى وغير ذلك، بل هذا من أوهام المنجمين، فإن هذه النجوم خلقها الله زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، وليس لها أثر فيما يتعلق بالحوادث لا في الصحة، ولا في المرض، ولا في الغناء، ولا في الفقر، ولا في نزول المطرن ولا في غير ذلك. 

وإنما هي أوهام باطلة من أصحابها لا أساس لها من الصحة، ولا يجوز للمسلم أن يأتيهم، ولا أن يسألهم لا المنجمين، ولا الرمالين، ولا جميع الكهنة والعرافين الذين يدعون بعض علوم الغيب بهذه الأشياء، بل يجب هجرهم وتأديبهم، والقضاء عليهم من جهة ولاة الأمور، حتى لا يضروا الناس، ولا يضلوهم، ولا يجوز سؤالهم، ولا تصديقهم، قال النبي ﷺ: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا.

والعراف: هو المنجم والرمال والكاهن ونحوهم ممن يدعي علم بعض المغيبات بالطرق التي سلكها، الطرق الشيطانية من تنجيم أو ضرب بالحصى أو أشباه ذلك من طرقهم الفاسدة.

وقال -عليه الصلاة والسلام- أيضًا: من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام-، فأخبارهم باطلة، ولا يجوز سؤالهم، ولا تصديقهم، وعلى من فعل هذا التوبة إلى الله والإنابة إليه، والندم على ما مضى، وعدم العود إلى ذلك.

أما هذا الرجل المطلق، فإن كان عقله معه، فإنه يقع الطلاق، لكن يكون واحدة؛ لأن الصحيح من أقوال العلماء أن الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة كتابيًا أو لفظًا لا يقع به إلا واحدة؛ لما ثبت عن رسول الله ﷺ في حديث ابن عباس: "أن الطلاق كان على عهده طلاق الثلاث واحدة، وهكذا على عهد الصديق، وعهد عمر في أول خلافته، ثم إن عمر أمضى ذلك -أمضى الثلاث- وقال: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم".

أما في عهده ﷺ، فكانت الثلاث بلفظ واحد تعتبر واحدة، قال ابن عباس: «كان الطلاق على عهد النبي ﷺ طلاق الثلاث واحدة».

وهكذا في عهد الصديق، وفي أول خلافة عمر ، لكن إن كان عقله غير مستقيم بسبب ما أصابه، وعرف الثقات العارفون به أن مثله يعتبر معتوهًا، فإنه لا يقع طلاقه، أما إن كان عقله مضبوطًا، والمرض ما أثر على عقله، فإنه يقع عليها طلقة بهذا الطلاق، ويكون بقاؤها عنده من غير رجعة غلطًا منه، ويعتبر جماعه لها مراجعة لها إذا كان أراد ذلك، أراد بمجامعتها مراجعتها وردها إليه، فإن الجماع على الصحيح يكون رجعة لها مع النية. 

أما مع غير النية من غير نية فهذا محل خلاف قوي بين أهل العلم، ولعل الصواب: أنه يتم بذلك الرجعة لجهله بذلك، فيكون راجعها بالجماع حال حملها، وتكون زوجة له، ويكون مضى عليها طلقة، تعتبر هذه طلقة واحدة، ويكون راجعها بالجماع.

أما إن كان ما جامعها، ولا اتصل بها، حتى الآن، فإنها بوضعها الحمل خرجت من عدته، ومضى عليها طلقة، وله أن يعود إليها بنكاح جديد، ومهر جديد، كخاطب من الخطاب، كأنه أجنبي، يخطبها على نفسها، فإذا وافقت، فإنه يتزوجها بزواج جديد، ومهر جديد؛ لكونها خرجت من العدة بوضع الحمل، هذا إذا كان ما جامعها بعد الطلاق، أما إن كان جامعها بعد الطلاق، فإنه يعتبر رجعة لها، وتبقى عنده على طلقتين، ومضى عليها طلقة إذا كان ما طلقها قبل ذلك سوى هذه الطلقة، نسأل الله للجميع الهداية، نعم.

المقدم: اللهم آمين. إذًا هؤلاء الذين أفتوه في قضيته هذه ليسوا على حق في كلامهم؟

الشيخ: الذين قالوا: إنه لا يقع الطلاق غلط، إلا إذا كان عقله غير مضبوط، إذا كان عقله مختلًا كالمعتوه، فإنه لا يقع طلاقه، لكن سؤاله هذا يعطي أن له عقلًا، سؤاله هذا مضبوط، فإن كان السؤال منه هذا يدل على ثبات عقله، فإن كان هذا السؤال وضعه له واضع، فعلى كل حال ينظر، يسأل أهل الخبرة به من الثقات الذين يعرفونه، فإن كانوا يعرفون عنه اختلال عقله، وأنه لا يضبط ما يقول، ولا يحسن ما يقول، وأن أقواله وأفعاله تدل على اختلال عقله كالمجانين والمعاتيه والسكارى، فهذا لا يقع طلاقه، نعم.

المقدم: هل من نصيحة إلى مثل هؤلاء الذين يفتون بغير علم، وخاصة في مثل هذه القضايا المهمة؟

الشيخ: ننصح جميع طلبة العلم، وجميع من يسأل أن يتقي الله، وأن لا يفتي إلا بعلم؛ لأن القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر، ومن أعظم الضلال، حتى جعله الله سبحانه فوق الشرك، قال : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[الأعراف:33].
فجعل القول على الله بغير علم فوق الشرك، وهذا خطر عظيم، وأخبر في آية أخرى أنه من أمر الشيطان، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[البقرة:169] فجعل سبحانه القول على الله بغير علم من أوامر الشيطان، نسأل الله العافية. 

فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن لا يقول إلا بعلم وبصيرة، يعلم حكم الله بالدليل، قال الله وقال رسوله، أو بإجماع أهل العلم.

المقصود: لا يفتي إلا على بصيرة، على علم، على بينة، وإلا فليحذر عاقبة ذلك، فإن العاقبة وخيمة لمن قال على الله بغير علم، نسأل الله العافية، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة