حكم أخذ الأب مرتب ابنته وإعطائه لأبنائه

السؤال:

أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من حائل، باعثة الرسالة إحدى الأخوات المستمعات، الواقع تأثرت كثيرًا لهذه الرسالة إذ تقول فيها سماحة الشيخ:

إنني فتاة ولي خمسة إخوة اثنان منهم متزوجون، وأنا أعمل معلمة، وإخواني هؤلاء البعض منهم يعمل والبعض يدرس، ووالدي يأخذ مني راتبي كله يعطيه إخوتي حيث يتصرفون فيه في عدة مجالات منهم من يشتري بها كتب، ومنهم من يشتري أشياء خاصة، ومنهم من تزوج بها، ومنهم من اشترى سيارة، ومنهم من يأخذ منها ليكمل بناء بيته، حيث أنني أعمل منذ سنوات عديدة، وكل أموالي تصرفوا بها ولم أعارض في ذلك، واحترامًا لوالدي وبرًا به وإحسانًا فأنا لا أريد إلا رضا الوالدين.

سؤالي: هل يصح لوالدي أخذ أموالي هذه مع أنني أتعب كثيرًا لتحصيلها ليعطيها إخوتي وجهوني؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فوالدك له أن يأخذ من مرتبك ما يحتاجه في نفقته على بيته وأولاده القاصرين لقول النبي ﷺ: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم، وقوله ﷺ لرجل قال له: يا رسول الله! إن أبي اجتاح مالي، قال: أنت ومالك لأبيك.

فلا حرج عليه أن يأخذ من مالك ومال غيرك من أولاده ما يحتاجه بشرط عدم الضرر عليك وعلى غيرك ممن يأخذ ماله، فيأخذ من مالك مالا يضرك ومن مال أولاده الآخرين ما لا يضرهم لحاجته في نفقته على نفسه وزوجته وأولاده القاصرين للحديثين السابقين.

أما أن يأخذ مرتبك لأولاده الآخرين فهذا لا يجوز إلا برضاك إذا سمحت من نفس طيبة وأذنت له أن يتصرف في ذلك فلا حرج؛ لأن المال مالك فإذا سمحت فلا حرج وإلا فليس له ذلك، أما أن يأخذ المال منك لينفقه على نفسه وعلى أولاده القاصرين الذين تلزمه نفقتهم فهذا لا حرج عليه وليس بجائر، وإذا كنت في حاجة إلى شيء فحاجتك مقدمة، حاجتك أنت مقدمة من كسوتك وحاجاتك الأخرى أنت مقدمة، وما فضل عن حاجتك له التصرف فيه في حاجته هو.

أما أن يعطيه أولاده الآخرين ليبنوا بيوتًا أو لغير ذلك من المقاصد الأخرى فلا.

أما النفقة التي فرض الله عليه أن ينفقها عليهم فهذا لا بأس أن يتصرف فيما يأخذه منك ومن غيرك في الإنفاق على الآخرين القاصرين الذين هم في حاجة إلى أبيهم وإلى نفقة أبيهم، وإذا سمحت بالمرتب كله يتصرف فيه كيف يشاء فلا حرج في ذلك والحمد لله. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. سماحة الشيخ! بعض الآباء يعتقد أن حديث رسول الله ﷺ: أنت ومالك لأبيك يعتقد أن هذا الحديث مطلق وليس له أي قيد، هل توجهون الآباء بشيء في هذه المناسبة؟

الشيخ: مثلما تقدم عند أهل العلم مقيد بعدم الضرر لقوله ﷺ: لا ضرر ولا ضرار والقاعدة الشرعية: أنه لا ضرر أحد لأحد، فلا يضر هذا الولد للولد الثاني، ولا يضر هذه البنت للبنت الثانية، ولكن يأخذ من مالهم ما يحتاجه هو ولا يضرهم، فلو كانت البنت عندها أولاد صغار ما لهم من يقوم عليهم ليس له أن يأخذ من مالها ما يضرها ويضر أولادها هم أولى، وهكذا إذا كانت تحتاج إلى ملابس وإلى كتب تنفعها في دروسها وإلى أشياء نحو ذلك فلابد أن يدع لها ما يقضي حاجتها لا يأخذ منها كل شيء، والقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، فلابد أن يدع لها ما يسد حاجتها ويأخذ الفاضل لحاجته.

وهكذا لو كان ذكرًا يترك له ولأولاده وزوجته ما يكفيهم ويأخذ من الزائد الفضل، لقوله ﷺ: لا ضرر ولا ضرار  قاعدة شرعية لا يضار أحد بأحد، لابد من عدم الضرر. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، فيما إذا أرادت هذه السائلة أن تتزوج أو تبني مسجدًا أو تتصدق كيف تتصرف مع والدها؟

الشيخ: حق والدها مقدم على المسجد وعلى غير المسجد.

المقدم: حق والدها؟

الشيخ: ولدها مقدم.

المقدم: لكن إذا كان الوالد مستغنيًا مثلًا؟

الشيخ: له أن يأخذ، ما زاد عن حاجتها له أن يأخذ، فبره مقدم على بناء المسجد، بره مقدم، أما حاجتها هي في ملابسها وأكلها وطعامها وأولادها مقدم، تقدم حاجتها هي وأولادها على الوالد، لكن ما فضل عن حاجتها وحاجة أولادها مثلًا له أن يأخذ ما يصرفه في حاجاته. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: جمعًا بين الأحاديث.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة