الجمع بين: «أبي وأبوك في النار» وبين حكم أهل الفترة

السؤال: صاحبنا محمد عبد الحكم يسأل أيضا ويقول: قال الله تعالى في كتابه الكريم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول ﷺ أخبر بأن والديه في النار، السؤال: ألم يكونا من أهل الفترة، وأن القرآن صريح بأنهم ناجون أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب: أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فالله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحداً إلا بعد بعث الرسول، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة، والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة كما جاء في السنة أنها تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة فمن أجاب وامتثل نجا ومن عصى دخل النار، والنبي ﷺ قال: إن أبي وأباك في النار لرجل سأله عن أبيه قال: إن أباك في النار، فلما رأى ما في وجهه من التغير قال: إن أبي وأباك في النار حتى يتسلى بذلك وأنه ليس خاصاً بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة، لعل أبا الرجل وأبا النبي ﷺ بلغتهما الحجة، النبي ﷺ حين قال: إن أبي وأباك في النار إنما قاله عن علم عليه الصلاة والسلام، هو لا ينطق عن الهوى، قال الله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:1-3]، وإنما قال ذلك عن علم عن الله ، فلولا أن عبدالله بن عبد المطلب والد النبي ﷺ قد قامت عليه الحجة لما قال في حقه النبي ما قال عليه الصلاة والسلام، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدث ما أحدث عمرو بن لحي الخزاعي، وسرى في الناس ما أحدثه عمرو من بث الأصنام ودعوتها من دون الله، فلعل عبدالله كان قد بلغه ما يدل على أن هذا باطل وأن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم؛ فلهذا قامت عليه الحجة.
وهكذا ما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فكونه لم يؤذن له أن يستغفر لأمه هو من هذا الباب؛ لعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا فلا يُدعى لهم ولا يُستغفر لهم؛ لأنهم في ظاهر الكفر ظاهرهم مع الكفرة فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة، فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة؛ لأن الله سبحانه قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فإذا علم أن أناساً كانوا في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا صاروا إلى الجنة، وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين اللي ما بلغتهم الدعوة، وأشباههم والأطفال يمتحنون -أطفال الكفار على الصحيح-؛ لأن الرسول ﷺ لما سئل عنهم قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جواباً صحيحاً نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين، فليس بحمد الله في حق..... أبوي النبي ﷺ ليس في ذلك إشكال على مَن عَرَف السنة وقاعدة الشرع.
المقدم: بارك الله فيكم.  
فتاوى ذات صلة