حكم الاجتماع في بيت الميت لقراءة القرآن وتناول الطعام

السؤال:

رسالة وصلت إلى البرنامج من أوجلة في ليبيا، باعث الرسالة أحد الإخوة يقول حمد عتيبي، أرجو تقديم أسئلتي إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .

السؤال الأول: بعد دفن أي ميت في بلدتنا ورجوع أهل الميت إلى المنزل، يصحبهم الكثير من أهالي البلدة، فيجتمع القراء في بيت المتوفى، ويقرءون القرآن بطريقة تقسيم القرآن إلى أجزاء، ويتلونه معًا في ساعة واحدة، كل يقرأ جزءًا أو اثنين، ثم يتناولون طعام الصدقة الذي تم إعداده وهو عبارة عن عدة رءوس من الأغنام تم ذبحها قبل دفن الميت، يتم هذا في اليوم الأول والثاني والثالث ثم في يوم الأسبوع، فهل يصل ثواب القراءة والصدقة على هذا النحو للميت، مع العلم أن الذين حضروا وأكلوا من طعام الصدقة ليسوا من المحتاجين؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

الجواب:

هذا العمل لا أعلم له أصلًا في الشرع، وهو من البدع التي أحدثها الناس، فليس من عادة النبي ﷺ ولا من عادة أصحابه الرجوع إلى بيت المتوفى أو غيره بعد الدفن ليجتمعوا على الطعام وعلى قراءة القرآن، ليس هذا من سنة المسلمين فيما نعلم.

أما لو كان ذلك من غير قاعدة ومن غير اتباع معين بل صدفة بأن دعاهم، بعدما رجعوا من الدفن دعاهم بعض إخوانهم وقدم لهم طعامًا، أو قرأ أحدهم بعض القراءة من غير أن تكون عادة مستمرة ولا سنة قائمة بل لعارض هذا لا يضر، إذا رجعوا قال بعض إخوانهم: تفضلوا عندي، وأطعمهم ما تيسر أو قرأ أحدهم بعض القراءة لأنفسهم هذا لا بأس.

أما أن يتخذوا هذا عادة بعدما يرجعون يرجعون إلى محل الميت أو إلى محل فلان أو فلان قاعدة، ليقرءوا القرآن ويثوبوه ويأكلوا مما أعد قبل الموت هذا لا أصل له، بل هو من البدع، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد خرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة رواه مسلم في الصحيح، زاد النسائي بإسناد جيد: وكل ضلالة في النار.

فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن لا يفعلوا هذا، وإذا فرغوا من دفن الميت كل يذهب إلى أهله وإلى رحله ويدعو لميتهم.

أما قراءة القرآن للميت فليس لها أصل، وإن قال بذلك جمع من أهل العلم وقالوا: لا بأس لكن ليس له أصل معروف عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة، وقد قال الله : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ لا نعلم ما يدل على ذلك عند الرد إليهما، فليس من هدي النبي ﷺ وليس من هدي أصحابه، ثم فيه تكليف لمن يبذل هذه الأموال سواء كان أهل الميت أو غيرهم وشرع دين لم يأذن به الله، والله يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

فالواجب ترك هذه العادة والاشتغال بما ينفعه من الدعاء للميت في الطريق وفي البيت، الدعاء له الترحم عليه، وإذا أحب أحد يتصدق عنه من غير إلزام لأحد فلا بأس، الصدقة تنفع الميت، أو يتصدق عنه أهله، الصدقة تنفع الميت بأن يعطوا الفقراء صدقة أو ملابس من ملابس أو نقود أو طعام كل هذا طيب من فعله عن الميت، فهو مأجور إذا كان الميت مسلمًا.

كذلك بعث الطعام لأهل الميت إذا صنع لهم جيرانهم أو أقاربهم طعامًا وبعثوه إلى أهل الميت لأنهم مشغولون بالمصيبة فهذا مشروع؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما أتى خبر موت جعفر بن أبي طالب في الشام في مؤتة أمر أهله أن يصنعوا لهم طعامًا يصنعوا لأهله طعامًا، قال: اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم فأمر ببعث الطعام إلى أهل جعفر ؛ لأن المصيبة قد شغلتهم عن صنع الطعام لأنفسهم، هذا لا بأس به بل هو مشروع.

أما أهل الميت فلا، أما أهل الميت لا يقدمون الطعام للناس ولا يصنعونه للناس، ولا يكلفون بذلك، لا من مال الميت ولا من غير مال الميت، لكن لو نزل عليهم ضيف وأطعموه من طعامهم، أو أطعموه بما يناسبه لأنه ضيف، لا من أجل الميت لا من أجل اتخاذ عادة بل من أجل الضيف فلا بأس. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة