تفسير بعض الآيات الدالة على علو الله

السؤال:

المستمع حسين علي محمد، بعث يسأل عن تفسير بعض الآيات القرآنية، منها: قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16] وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3] يرجو أن تفسروا هذه الآيات، وعنون لها بقوله: آيات عن العلو والاستواء. 

الجواب:

هذه الآيات الكريمات فسرها أهل العلم من أهل السنة والجماعة كـالبغوي في التفسير، وابن كثير، وابن جرير، وغيرهم، ومعناها عند أهل السنة واضح، فقوله -جل وعلا-: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ: يفسر بمعنيين: 

أحدهما: في السماء يعني: المبنية السماوات المعروفة، فيكون معنى في يعني: على، من على السماوات، كما قال -جل وعلا-: فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ [آل عمران:137] يعني: على الأرض، قال -جل وعلا- عن فرعون أنه قال لخصومه: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] يعني: على جذوع النخل.

والمعنى الثاني: أن المراد بالسماء العلو، جهة العلو، فتكون (في) للظرفية، والمعنى (أأمنتم من في العلو) وهو الله سبحانه، فإنه في العلو فوق العرش -جل وعلا-، قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه الخلق في شيء من صفاته ، فهو فوق جميع الخلق، في أعلى شيء، فوق جميع الخلق .

وهكذا قصد فرعون اللعين حين قال: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ [غافر:36] يعني: الطرق، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ[غافر:37] يعني: طرق السموات، فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [غافر:37] عرف الخبيث أنه في العلو؛ لأن موسى بلغه أنه في العلو؛ ولهذا زعم هذا الزعم، وهو لا يستطيع ذلك، ولا هامان، فإن العلو إلى السماوات لا يستطيعه المخلوق إلا بأمر من الله ، كما عرج الله بنبينا محمد ﷺ إلى العلو، مع جبرائيل -عليه الصلاة والسلام-.

فالسماوات لها أبواب، ولها حرس، لا يستطيع أحد الدخول إليها إلا بإذن من الله ، وهذه من مكابرة فرعون من مكابرته ودعاواه الباطلة، وهو يعلم أن الله في العلو، كما أخبره موسى، فلهذا قال هذه المقالة، وهي من أدلة أهل السنة على أن الله في العلو، وأن موسى بلغ فرعون أن الله في العلو، فلهذا قال هذه المقالة.

وهكذا قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] يعني: ثم علا على العرش، وهذا قاله سبحانه في سبعة مواضع في كتابه -جل وعلا-، بين في ذلك استواءه على العرش وأنه فوق العرش، كما قال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فالمعنى الاستواء: العلو والارتفاع، ومنه استوى على السفينة يعني: ارتفع عليها، ومنه اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44] يعني: ارتفعت على الجودي.

فالاستواء معناه: العلو والارتفاع، استوى فلان على الدابة يعني: صار على ظهرها، واستوى على السطح: صار فوق السطح، واستوى على الجمل: صار فوق الجمل، فمعنى استوى على العرش يعني: ارتفع فوق العرش -جل وعلا-، واستواؤه يناسبه سبحانه، ويليق به ، ولا يشابه الخلق في استوائهم على دوابهم، وعلى الجبال، وعلى غير هذا.

وهكذا كل صفات الله تليق به ، ولا يشبه فيها خلقه -جل وعلا- كما قال سبحانه: لََيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وقال : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] وقال سبحانه: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ[النحل:74] وقال : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] يعني: لا سمي له، ولا كفء له ، وهكذا أمثال هذه الآيات كلها تدل على علو الله، وأنه فوق العرش، مثل وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى:4] .. فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12] هو العلي العلو الكامل، علو الذات، وعلو القهر والسلطان، وعلو المكان، فهو فوق العرش -جل وعلا-، فوق جميع الخلق .

والعرش سقف المخلوقات وأعلاها، والله فوقه ، ومع هذا لا يخفى عليه شيء من أحوال عباده، يعلم كل شيء ، نعم، الله أكبر! نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة