حقيقة التوسل المشروع والممنوع

السؤال:

في سؤال السائل من جمهورية مصر العربية يقول: سماحة الشيخ، اختلط على كثير من الناس مفهوم التوسل الجائز، والتوسل الممنوع. 

نرجو من سماحة الشيخ أن يبين لنا ما هو التوسل؟ وما هو الجائز منه وما هو الممنوع؟ وأمثلة على ذلك؟

مأجورين.

الجواب:

التوسل كما ذكر ابن القيم وغيره -رحمة الله عليه-، التوسل أقسام ثلاثة:
توسل هو الشرك الأكبر: كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم، والنذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، يقول المشركون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3 ].. هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، يتوسلون بدعائهم، واستغاثتهم بهم، وهذا هو الشرك الأكبر.

التوسل الثاني: التوسل بذواتهم، تقول: اللهم إني أسألك بذات فلان، أسألك بنبيك فلان، اللهم إني أسالك بعبادك الصالحين، اللهم إني أسألك بمحمد، بـموسى، هذا توسل ممنوع بدعة؛ لأنه وسيلة للغلو والشرك.

التوسل الثالث: الجائز المشروع، وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، التوسل بأعمالك الصالحة، بإيمانك، هذا التوسل المشروع، مثل ما قال الله -جل وعلا-: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] ومثلما كان النبي ﷺ يدعو الله بأسمائه وصفاته، هذا يقال له: التوسل المشروع، ومثلما في الحديث: أعوذ بعزتك أن تضلني.

فالتوسل بصفات الله أمر مشروع: أسألك برحمتك، أسألك بعلمك، أسألك بإحسانك، أسألك بقدرتك أن تغفر لي، ومن حد دعاء الذي سأله؛ لما سأله عثمان بن أبي العاص، واشتكى إليه مرضًا، قال: «ضع يدك على ما تشتكي، وقل: أعوذ بالله بعزته وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» فتوسل بعزة الله وقدرته من شر ما يجد ويحاذر، استعاذ بذلك، ومنه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك.

أما التوسل بالإيمان والأعمال الصالحة، والتقوى لله؛ فهذا هو التوسل الشرعي، فالتوسل بصفات الله، وبأسماء الله، وبإيمانك وتقواك، هذا التوسل الشرعي.

أما التوسل بالذوات ذات فلان وذات فلان، أو جاه فلان، أو حق فلان؛ فهذا توسل بدعي، فلا يتوسل بجاه فلان، ولا بحق فلان، ولا بالنبي فلان، ولا بذات فلان؛ هذا توسل بدعي.

أما التوسل بعلم الله، بطاعة الله، باتباعك لشرع الله، هذا كله لا بأس به، توسل بصفات الله، وتوسل بأسماء الله وصفاته: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

ومنه: التوسل بالأعمال الصالحة، كأن تقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، بتوكلي عليك، بثقتي بك، ببري لوالدي، بأداء الأمانة، وما أشبه ذلك، هذا توسل شرعي، ومنه حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة؛ فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذا البلاء، إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فسألوا الله بصالح أعمالهم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة؛ فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فوقفت على رؤوسهما والقدح في يدي؛ أنتظر استيقاظهما، ولم أستحسن استيقاظهما حتى برق الصبح، فلما استيقظا شربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئًا لا يستطيعون الخروج منه، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها عن نفسها فأبت، فألمت بها سنة -يعني: حاجة شديدة- فجاءت إليه تقول: يا ابن عم، أعني، فقال: لا حتى تمكنيني من نفسك، فطاوعته من أجل حاجتها، فلما جلس بين رجليها، قالت له: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها خوفًا منك، وهي أحب الناس إلي، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيت كل أجير حقه، إلا واحدًا ترك أجره، فنميته له، وثمرته له، حتى صار منه إبل وبقر وغنم وعبيد، فجاء إلي بعد ذلك وقال: يا عبدالله، أعطني أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والعبيد، قال: يا عبدالله، لا تستهزئ بي، قلت: إني لا أستهزئ بك، إنه من أجرك نميته له، فخذه فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة حتى خرجوا هذا توسل من هؤلاء الثلاثة بأعمالهم الطيبة التي فعلوها لله ، فنفعهم الله بها عند الشدة، نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ، وبارك فيكم.

فتاوى ذات صلة