كيف تم إدخال قبر النبي صلى الله عليه وسلم المسجد؟

السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة سماحة الشيخ رسالة وصلت إلينا من أحد الإخوة المستمعين يقول (ج. م. ع) ويعمل بالمملكة، أخونا يرجو مناقشة موضوع سبق أن تفضلتم بالإجابة على إثارة سؤال عنه، يقول سماحة الشيخ: ما هي العلاقة بين كل من مسجد الرسول ﷺ بما فيه من قبره وقبر صاحبيه ومسجد من المساجد التي توجد بها قبور، حيث أنه بعد سماع سماحة الشيخ عبد العزيز في هذه المسألة فقد أوضح بأن ذلك كان خطأ عند توسعة المسجد في عهد عبد الملك ، ولكن كثيراً من المسلمين يتساءلون: إذا كان هذا خطأ فإنه من الممكن تدارك الخطأ وعلاجه، ذلك بأن يفصل القبر عن المسجد تماماً حيث أنه لا يكفي السور؛ لأن باقي المقابر بالمساجد الأخرى حولها أيضاً سور، وبذلك من الصعب إقناعهم باختلاف المسجد النبوي عن غيره، إن هذه المسألة إذا تفضلتم عند حسمها سوف تقضي قطعاً على افتتان المسلمين، وسوف تمنع وتساعد على نبش القبور التي استجدت على المساجد، ندعو الله لكم بالتوفيق في بحث هذا الموضوع، وجزاكم الله خيراً؟ 

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه؛ نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فلا شك أن إدخال القبر الشريف في المسجد الشريف كان سبباً لفتنة بعض الناس بوضع القبور في المساجد والبناء على القبور، وقد سبق في حلقات مضت بيان الواقع، وهو أن الوليد بن عبد الملك وليس هو عبد الملك بل الوليد بن عبد الملك في خلافته لما وسع المسجد النبوي رأى إدخال الحجرة النبوية في المسجد بسبب التوسعة، وأنكر ذلك عليه بعض الناس؛ بعض التابعين، ولكنه رأى أن التوسعة تدعو إلى ذلك فلهذا أدخله وصار ذلك الإدخال سبباً لفتنة بعض الناس في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها.
وليست العلاقة بين مسجد النبي ﷺ وحجرته مثل العلاقة التي بين المساجد والقبور الأخرى، فرق عظيم، فإن النبي ﷺ دفن في بيته في بيت عائشة ودفن معه صاحباه؛ أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، ولم يدفن في المسجد عليه الصلاة والسلام ولا صاحباه بل كلهم دفنوا في البيت، وأما القبور الأخرى فهي تدفن في المساجد ويظن أهلها أن هذا قربة وأنه طاعة، وربما حدث المسجد بعد ذلك، يوجد القبر ثم يبنى عليه مسجد، كل هذا واقع، فليس هذا كهذا.
وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح، بل في الأحاديث الصحيحة: لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا  وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم في الصحيح، ولما قالت له عليه الصلاة والسلام أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما: إنهما رأتا في أرض الحبشة كنيسة وذكرتا ما فيها من الصور قال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروه في تلك الصور، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أولئك شرار الخلق عند الله فأخبر أن الذين يبنون على القبور المساجد ويصورون عليها الصور أنهم شرار الخلق؛ لأنهم فعلوا أمراً يجر الناس إلى الشرك ويوقعهم في الشرك؛ لأن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها واتخاذ الصور عليها كل هذا من وسائل الشرك؛ ولهذا حذر من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام وأبدأ وأعاد في ذلك.
والوليد حين أدخل الحجرة النبوية لم يكن على باله هذا الأمر، ولم يظن أن الناس يشتبه عليهم الأمر ويعتقدون أن هذا مثل هذا وأن إدخال الحجرة برمتها من جنس إيجاد القبور في المساجد، أو من جنس إقامة المساجد على القبور، وليس هذا كهذا.
فالحاصل أن إدخال الحجرة النبوية في المسجد ليس من جنس عمل الغلاة في القبور الذين بنوا عليها المساجد، أو أحدثوها في المساجد هذا غير هذا.
فإحداث القبر في المسجد أمر لا يجوز وهو منكر ووسيلة للشرك بصاحب القبر، وهكذا كون المسجد يبنى عليه كما فعلت بنو إسرائيل كون المسجد يبنى عليه هذا أيضاً لا يجوز؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتفق عليه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا في كل مكان أن لا يبنوا على القبور مساجد، وأن لا يبنوا عليها قباباً ولا غيرها، ويجعلوها ضاحية بارزة كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في مقبرة البقيع وغيره ليس عليها بناء، وكما هو الحال الآن في البقيع والحمد لله قد أزيلت عنها المباني، وهكذا في مكة.
فالمقصود أن الواجب أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء، هذا هو الواجب، لا يبنى عليها قباب ولا مساجد ولا غير ذلك.
وأما إدخال الوليد بن عبد الملك الحجرة النبوية فكان لأجل التوسعة وإن كان هذا غلطاً ينبغي أنه لم يقع حذراً من هذه الفتنة التي وقعت لبعض الناس لكنه رحمه الله وعفا الله عنا وعنه لم ينتبه لهذا الأمر الذي حصل في الناس الآن، ولعل أسباب عدم إخراجه من المسجد بعد ذلك أن كل وال يتولى المدينة يخشى أنه إن فعل شيئاً أن يقام عليه وأن ينكر عليه وأن يقال: أنت تبغض النبي ﷺ، وأنت وأنت وأنت فيتهم، فلهذا ترك الناس إخراج الحجرة بعدما أدخلت، لعل هذا هو السبب والله أعلم فيما أعتقد أن الولاة الذين تولوا الإمرة بعد الوليد لعلهم خشوا إذا أخرجوا الحجرة من المسجد أن يقال فيهم إنهم كيت وكيت، إنهم ليسوا يحبون النبي ﷺ، أو أنهم مقصرون في حق النبي عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك من الأقاويل التي قد يخشى منها، فلهذا ترك هذا الأمر ولم يخرج من المسجد من أجل خوف قالة الناس وفتنة الناس بالقيل والقال في إخراجه من المسجد بعدما أدخل.
ثم أيضاً مثلما تقدم ليس هذا من جنس ما يفعله الناس بل هذه حجرة برمتها بيت برمته أدخل فليس من المسجد وليس من أرض المسجد وليس مدفوناً في المسجد وليس المسجد مقاماً عليه، بل المسجد قائم مستقل قبل إدخال الحجرة، فالمسجد قائم وإنما جاءت التوسعة فقط اليسيرة التي جاءت من جهة الشرق هذا هو الواقع.
فلا يجوز لأحد أن يحتج بهذا على البناء على القبور أو إدخال القبور في المساجد لا حجة له في هذا، بل الواجب أن تكون القبور بعيدة عن المساجد ليست في المساجد بل تكون في أرض مستقلة وضاحية شامسة مكشوفة ليس عليها بناء وليس عليها مساجد، هذا هو الواجب على جميع المسلمين في كل مكان، طاعة للنبي ﷺ وامتثالاً لأمره واتباعاً لسنته، وحذراً من وسائل الشرك.
ولهذا أبدأ وأعاد في هذا عليه الصلاة والسلام وكثر في ذلك؛ لئلا يقع الناس في الشرك، ومن ذلك ما تقدم في الأحاديث الصحيحة: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ومن هذا قوله ﷺ: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم في الصحيح من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وهكذا حديث أبي هريرة في الصحيح يقول ﷺ: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك وأن لا يحتجوا بما فعله الوليد بن عبد الملك من إدخال الحجرة النبوية فإنه أدخل بيتاً ولم يدفن في المسجد، ولم يحدث قبراً في المسجد وإنما أدخل الحجرة اجتهاداً منه للتوسعة للمسلمين، فليس هذا مثلما أحدثه الناس، ولا ينبغي أن يقاس هذا على هذا، بل الواجب الحذر مما نهى عنه النبي ﷺ ولعن أهله الفاعلين له، ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي ﷺ: أنه نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها والبناء عليها فالرسول ﷺ نهى أن يجصص القبر، ونهى أن يقعد عليه، ونهى أن يبنى عليه، وهذا يشمل القبة والمسجد وغير ذلك.
فالواجب على جميع المسلمين طاعة النبي ﷺ وامتثال أمره والحذر مما نهى عنه في القبور وغيرها، فلا يبنى عليها ولا يتخذ عليها قبة ولا مسجد ولا تجصص، كل هذا مما نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
والمقصود من هذا كله سد الذرائع المفضية إلى الشرك والنهي عن وسائله؛ لأن الناس إذا رأوا مسجداً معظماً بالقبة والفراش ونحو ذلك عظموه بالدعاء والاستغاثة دعوه واستغاثوا بصاحبه فوقع الشرك.
فالواجب على المسلمين في أي مكان أن يتقوا الله وأن يحذروا الدفن في المساجد، أو إقامة مسجد على القبر وإن كان قبراً عظيماً، وإن كان صاحبه صالحاً، فالأنبياء هم أصلح الناس ولا يوجد البناء على قبورهم، فهكذا بقية الناس من باب أولى، والواجب هو امتثال أمر رسول الله ﷺ والتقيد بما قاله عليه الصلاة والسلام والحذر مما نهى عنه عليه الصلاة والسلام.
والحكمة في هذا واضحة، الحكمة ظاهرة وهي: سد الذرائع الموصلة إلى الشرك، فإن وجود القبر في المسجد أو وجود المسجد على القبر كل ذلك من وسائل الشرك بصاحب القبر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، ونسأل الله أن يبصر المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعيذهم من أسباب الشرك ومن وسائله وذرائعه إنه سميع قريب.
المقدم: جزاكم الله خيراً. لا أدري سماحة الشيخ أخونا صاحب هذه الرسالة يقول: لماذا لا يعالج ذلكم الخطأ الذي وقع فيه الوليد بن عبد الملك؟
الشيخ: بينا أن أسباب ذلك -والله أعلم- أن كل دولة تخشى أنها إذا قامت بهذا الأمر أن تتهم وأن يقال فيها: إنها قصرت في حق النبي ﷺ، وأنها تبغض النبي ﷺ، أو أنها جاهلة بالإسلام، أو أنها أو أنها..، قد يتحاشون الدخول في هذا الأمر، يقولون: ما دام سكت من قبلنا وتركه من قبلنا نتركه؛ ولأن الحكمة في ذلك والعلة في ذلك واضحة، فإنه لم يدفن في المسجد عليه الصلاة والسلام وإنما أدخلت الحجرة فقط برمتها فليست هذه المسألة مثل المسائل التي وقع فيها الناس في بلدان كثيرة حيث دفنوا في المساجد وأوجدوا قبوراً في المساجد، أو بنوا مساجد على القبور، هذا هو الواقع وهذا غير ما فعله الوليد ، هذا فرق عظيم. نعم.
المقدم: إذاً الابتعاد عن الفتنة وإبقاء الأمور على ما هي عليه هو الأولى؟
الشيخ: هذا السبب، هذا هو السبب الذي جعل الناس يتركون الأمور على حالها خشية من فتنة تقوم بين الناس بسبب ظنهم بمن أخرجه السوء وأنه أراد بهذا تنقصاً للنبي ﷺ وصاحبيه، أو أنه أراد بذلك أمراً آخر ليس قد لا يحمل على المعنى الشرعي، وقد يظن به خلاف ذلك، فلعل هذا هو السبب الذي من أجله تركته الدول السابقة. نعم.
المقدم: إذاً يرى سماحة الشيخ أنه قد يقوم حرب فكرية من أعداء الإسلام ضد المسلمين إذا ....
الشيخ: قد يكون حرب فكرية وغير فكرية أيضاً، قد يكون هذا من أسباب يعني: بعض الفتن التي يوجدها بعض الناس لأتفه الأسباب، فكيف .......... وهذا شيء يتعلق بقبر النبي ﷺ وصاحبيه؟ وأكثر الخلق ليس عنده العلم الكافي والبصيرة الكافية في هذه الأمور، بل يعتقدون أن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها أنه دين وقربة، بل بعضهم وكثير منهم يرى أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات دين وقربة، نسأل الله العافية.
المقدم: بارك الله فيكم. لعل سماحة الشيخ يذكر السادة المستمعين بما قاله رسولنا ﷺ لـعائشة في شأن الكعبة؟
الشيخ: نعم، حديث صحيح لما قيل له ﷺ في حجر إسماعيل قال: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم فترك نقض الكعبة وأدخل الحجر فيها خوفاً من الفتنة عليه الصلاة والسلام فأبقاها على حالها. نعم.
المقدم: طيب، إذاً هذا قريب من هذا.
الشيخ: هذا من هذا، من جنس هذا، هذا من جنس هذا. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.  
فتاوى ذات صلة