ما حقيقة الأولياء وكيفية معرفتهم؟

السؤال: القضية الثالثة التي يسأل عنها أخونا (ز. ع. ع) من السودان ومقيم في الرياض، هي القضية المكررة تقريباً التي نوقشت في هذا البرنامج أكثر من مرة؛ قضية الأولياء، ومن يعتقد أنهم صالحون في بلدهم، لهم طرق يسأل عنها سماحة الشيخ ويرجو التوجيه لو تكرمتم؟ 

الجواب: الأولياء هم المؤمنون وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسان، هم الأولياء، هم أهل التقوى هم أهل الصلاح، هم مطيعون لله ولرسوله، هؤلاء هم أولياء الله، سواء كانوا عرباً أو عجماً بيضاً أو سوداً أغنياء أو فقراء حكاماً أو محكومين هم أولياء الله، قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في سورة يونس : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، هؤلاء هم أولياء الله، الذين أطاعوا الله ورسوله واتقوا غضبه فأدوا حقه وابتعدوا عما نهى عنه سبحانه وتعالى، هؤلاء هم الأولياء وهم المسلمون الصالحون، هم المهتدون، وهم أهل الإيمان والتقوى، ليسوا أهل الشعوذة ودعوى الخوارق الشيطانية أو الكرامات المكذوبة لا، هم المؤمنون سواء أعطوا كرامة أو ما أعطوا كرامة، أكثر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم أتقى الناس وأفضل الناس بعد الأنبياء وهم أولياء الله ليس لهم كرامات خارقة؛ لأن إيمانهم قوي لا يحتاجون معه إلى خوارق، فليس من شرط الولاء أن يبقى خارقاً يخرق العادة بأن يعطى طعاماً من طريق لا يُعرف، أو شراباً من طريق لا يعرف أو أموالاً أو غير ذلك، لا.
العلامة والصفة هي تقوى الله والإيمان بالله، هذا هو الولي الذي اتقى الله جل وعلا فأطاع أوامره وترك نواهيه فهؤلاء هم أولياء الله، وقال سبحانه في سورة الأنفال: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال:34] (إن) نافية، معناه: ما أولياؤه إلا المتقون. هؤلاء هم أولياء الله أهل التقوى الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة، وآمنوا برسوله محمد ﷺ وبسائر النبيين والمرسلين، وصدقوا بكل ما أخبر الله به ورسوله، وانقادوا لشرع الله فأدوا ما فرض الله عليهم وتركوا ما حرم الله عليهم هؤلاء هم أولياء الله، ولكن مع ذلك ليس لأحد أن يعبدهم مع الله فهم مخلوقون مربوبون ليس لهم تصرف في الكون، بل هم عبيد من عبيد الله كالملائكة، كما قال في الملائكة: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، هؤلاء كذلك، من الإنس عباد مكرمون، لا يجوز أن يُعبَدوا مع الله فلا ينذر لهم ولا يتمسح بقبورهم ولا يُطاف بها، ولا يُدعون مع الله كأن يقول: يا سيدي اشفع لي، أو يا سيدي اشف مريضي، أو أنا في حسبك، أو أنا بالله وبك، أو ما أشبه ذلك، أو يقول: (المدد المدد) عندما يقف على قبره أو من بعيد، يتوجه إلى جهة بلده ويقول: المدد المدد يا سيدي، أو يا فلان كل هذا من الشرك الأكبر، لا يجوز لأي إنسان أن يعبد الأولياء أو يستغيث بهم أو ينذر لهم أو يطلبهم المدد والعون والغوث، هذا لا يجوز، هذا لله وحده ، يطلب من الله، ويجوز طلبه من المخلوق الحي القادر لا بأس الحي الحاضر القادر، تقول: يا أخي! أغثني في هذا الأمر أنا عندي عائلة كبيرة وعلي دين أغثني في قرض قال: أقرضني كذا وكذا، أو ساعدني في كذا وكذا، أو ساعدني على إصلاح السيارة تعطلت السيارة ساعدني، يساعده عنده أدوات غيار عنده معرفة يساعدك في إصلاحها أو في المزرعة يساعدك على حرث أو على بذر أو على حصاد، أو في عمارة بيت تعمير بيتك يساعدك على تعمير البيت وما أشبه من الأمور الحسية؛ فلا بأس بهذا، كان الصحابة يتعاونون، كان الصحابة يستغيث بعضهم في الحرب، يقول: أعني على كذا إذا تجمع عليهم جند من المشركين تجمعوا وتعاونوا في صده، تعاونوا في قتاله، وهكذا يتعاونون فيما ينوبهم من الحاجات والديون والحاجات الأخرى، والرسول ﷺ يقول: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، هكذا يقول ﷺ في الحديث الصحيح: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ويقول ﷺ في الحديث الصحيح الآخر: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
فالتعاون بين المسلمين أمر مطلوب، كما قال الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، فهذا ليس من الشرك، أما إذا دعوت الميت أو الغائب لأنك تعتقد أن فيه سر أو الجبل أو الصنم أو الشجر أو الملائكة أو إنسان حي لكن تعتقد فيه أن له تصرف ليس من جهة الأمور الحسية، لا، بل تعتقد جنس التصرف وأنك إذا دعوته ولو بظهر الغيب سمع كلامك و نفعك وأنه له خصوصية في قضاء الحاجات وأنه يعلم الغيب، أو أنه له سر يقضي به الحاجات هذا هو الشرك الأكبر، هذا اعتقاد أهل الشرك في معبوداتهم من دون الله.
فالواجب التنبُّه لهذا الأمر وأن يكون المؤمن عنده ميزة عنده فرق، يفرق بين حال الميت وحال الحي، حال الشجر والحجر والصنم، وحال الحي القادر الذي يسمع كلامك أو تكاتبه مكاتبة أو تكلمه بالهاتف؛ بالتلفون، تقول: سلفني أقرضني كذا، ساعدني على كذا أو بالتلكس، من هذه الوسائل الجديدة كأنه حاضر، أما أن تقول للميت أو للشجر أو للحجر، أو الجن أو الملائكة تطلبهم وتسألهم هذا هو شرك المشركين، هذا لا يجوز؛ لأنه يقع عن اعتقاد سر فيهم، وأنك تراهم أهلاً؛ لأن يتصرفوا في الكون، وأنهم عندهم مزية خاصة يستطيعون بها كذا وكذا وإن لم تباشرهم بالكلام، وإن لم تحصل لهم قوة حسية، هذا يقع لكثير من المشركين، يعتقدون في معبوداتهم أنها تتصرف في الكون، وأن لها كرامات بحيث تقضي لهم حوائجهم وتسعفهم بطلباتهم وإن كانوا أمواتاً، وإن كانوا غائبين لا يسمعون ولا يعون، وهذا من الشرك الأكبر الذي قال الله فيه سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال فيه سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14]، سبحانه وتعالى.
فبين أن دعاء الأموات من دون الله ودعاء الأصنام ودعاء الأشجار والأحجار كله شرك، وفي الآية الأخرى قال: كفر: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، فوجب على كل من له أدنى بصيرة.. على كل مكلف.. على كل عاقل أن يحذر الشرك بالله بجميع أنواعه وصوره وأن لا يدعو إلا ربه سبحانه وتعالى، ويخصه بالعبادة دون كل ما سواه جل وعلا.
وأما الأمور العادية التي تقع بين الناس من طريق الأسباب الحسية فقد عرفت أيها المستمع أن هذه لا حرج فيها، هذه الأمور الحسية تقع بين الناس في أمور يحتاجون إليها، فيقول الأخ الإنسان لأخيه يسمع كلامه، يقول: يا أخي أقرضني كذا، ساعدني على كذا، أو يكتب له أو يكلمه هاتفياً، أو بطريق التلكس أنك تساعدني بكذا، أو تتصل بفلان تقول له: كذا، أو تشتري لي كذا، هذه أمور عادية حسية لا حرج فيها. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم. 
فتاوى ذات صلة