زيارة القبور بين المشروع والممنوع

السؤال:

أولى رسائل هذه الحلقة رسالة المستمع من حضرموت: (م. هـ. ع. ق) أخونا عرضنا له سؤال في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة بقي له سؤال على منوال السؤال الأول في الطول والموضوع.

يقول: تقام زيارة لقبر أحد الأولياء كما يزعم العامة -والله أعلم- واسمه علي بن محمد الحبشي وتسمى هذه الزيارة بزيارة الحول، ويمكثون على قبره الموجود تحت قبة إحدى عشرة ليلة، يصلون على المقابر حيث الإمام داخل المقبرة المحيطة بالقبة، ويمتد الجمع وخاصة المغرب والعشاء إلى مساحة خارج المقبرة، ويأمر الإمام من يصلي على المقبرة بفرش ردائه، وفي اليوم الثامن يجتمع الناس من الرجال والنساء حيث الاختلاط وانتهاك الأعراض حاملين ثوبًا على النعش من بيت أهل الولي إلى تابوت قبر الولي بالقبة بالطبول والأناشيد، ثم يلبسون ذلك التابوت، مع العلم بأن التابوت مرتفع بقدر متر تقريبًا، ويتمسحون بالثوب والتابوت والقبة سائلين الولي قائلين: يا علي يا علي بما يسأل الله به.

وفي اليوم العاشر تكون الوقفة تشبهًا بالحج، يقفون في ذلك المكان وتلقى الكلمات عن ذلك الولي وكراماته، وإذا نصحنا بعدم فعل ذلك وأنه من البدع والشرك، قالوا: أنتم أهل البدع الخارجين عن اتباع السلف، وأنتم تكرهون الأولياء، ما رأي الشرع في ذلك؟ وبم تنصحون هؤلاء؟ جزاكم الله خيرًا، ومتع بوجودكم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فينبغي أن يعلم أن شد الرحال للقبور من المنكرات التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام؛ فالرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وبيت المقدس، هذه هي المساجد الثلاثة التي يشد لها الرحال، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، يقول ﷺ: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.

ثم الذهاب إلى من يسمونهم بالأولياء للجلوس عند قبورهم، وطلب المدد منهم أو الشفاء أو النصر على الأعداء كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يجوز سؤال المخلوق، سواء سمي ولي أو ما سمي ولي، لا يجوز سؤاله، ولا طلب شفاء المرضى منه ولا طلب المدد؛ لأن هذا إلى الله سبحانه ليس إلى الأولياء ولا إلى الرسل.

ولا يطلب منهم مثل هذا الطلب، ولا يتمسح بقبورهم ولا التبرك بها، ولو سموا أولياء، ولو كانوا صالحين، ولو كانوا أنبياء، لا يجوز هذا في القبور، وهذا هو عمل المشركين الأولين وعمل أهل الجاهلية مع القبور.

فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه الأمور وأن لا يفعلوها، وأن ينكروها على من فعلها من العامة، وأن لا يغتروا بما درج عليه الأسلاف والآباء من الشرك الأكبر، فالبناء على القبور واتخاذ القباب عليها منكر لا يجوز، يقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بتسوية القبر إذا رفع يأمر بتسويته، قال عليه الصلاة والسلام لـعلي : لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته معنى (سويته): أي: نقضته وهدمته حتى يستوي بالأرض ما يبقى إلا علامة القبر قدر شبر ونحوه.

هكذا شرع الله القبور أن ترفع قدر شبر من الأرض حتى يعرف أنها قبور لا توطأ ولا تمتهن، ولا يبنى عليها لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك.

يقول جابر بن عبد الله الأنصاري : «نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها» فلا فرق بين قبر ولي أو نبي أو غيرهما.

ولا يجوز لأحد أن يتبرك بالقبور، أو يتخذها أعيادًا، أو يسألها شفاء المرضى أو المدد والعون، أو النصر على الأعداء، أو البركة في الأولاد أو في الطعام أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز.

وهذه الإقامة عند قبر هذا الشخص منكرة وبدعة ومن أسباب الشرك، سواء كان إحدى عشر يومًا أو أقل أو أكثر، إنما المشروع للمسلم أن يزور القبور ويسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف، إذا كانوا مسلمين يزورهم للسلام عليهم والدعاء لهم، ما هو طلب الدعاء من .. دعاؤهم من دون الله لا، الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، هم محتاجين للدعاء، كان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية وكان إذا زار القبور عليه الصلاة والسلام يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غدًا مؤجلون، وأتاكم ما توعدون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، وروي عنه ﷺ أنه زار قبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر.

هكذا الزيارة الشرعية، سلام على المقبورين ودعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعافية، أما أن يدعون مع الله، يقول: اشفعوا لنا، انصرونا، المدد المدد، هذا منكر هذا لا يجوز، هذا الشرك الذي فعله قريش فعلته قريش وغيرها.

فالواجب على المسلم الانتباه واليقظة والحذر من أعمال الشرك.

ثم النساء لا يزرن القبور، الرسول ﷺ نهى عن زيارة القبور للنساء، ولعن زائرات القبور من النساء، إنما الزيارة للرجال للقبور خاصة، يزورونها ويدعون لأهلها بالمغفرة والرحمة، أما النساء فلا يزرن القبور، والحكمة من ذلك والله أعلم لأنهن قد يفتن أو يفتن ولقلة صبرهن أيضًا.

فمن رحمة الله أن نهاهن عن زيارة القبور، ويكفي أن يدعون لأمواتهم في بيوتهم، يدعون للأموات .. يترحمون عليهم وهم في البيوت، لا حاجة إلى زيارة القبور، إنما الزيارة للرجال، ولهذا في الحديث الصحيح: "لعن رسول الله زائرات القبور" فلا يجوز للنساء أن يذهبن إلى القبور، ولا يجوز للرجال أن يتوجهوا إلى القبور لقصد التبرك بالمقبورين، أو دعائهم، أو الاستغاثة بهم، أو طلبهم المدد، أو الصلاة عند قبورهم لا هذا منكر، بل هو من المحرمات الشركية، والصلاة عند القبور بدعة، وإذا كان يصلي للميت ويطلبه من دون الله صار شركًا أكبر نسأل الله العافية.

فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه الأمور الشركية، ومن هذه البدع التي أحدثها الجهال الذين ما فهموا الشريعة ولا فقهوا فيها، ونسأل الله للجميع الهداية.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. سماحة الشيخ من خلال ما عرض على سماحتكم من الرسائل التي تصل إلى هذا البرنامج، ظهر ظهورًا واضحًا أن عالمنا الإسلامي مليء بأشياء وأشياء مخالفة للدين، من ذلك هذا التصوف ومن ذلك هذا التبرك بالقبور، وبما يسمونهم بالأولياء وما أشبه ذلك، يبدو أن الأمر يحتاج إلى محمد بن عبد الوهاب من جديد.

الشيخ: لا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى المصلحين، يحتاج إلى دعاة الهدى، الذين يتصدون لهذه الأمور بالدعوة إلى الله، وتبصير الناس وتوجيههم، وإلى أئمة وقادة يزجرونهم عن الباطل بالقوة، ويأخذون على أيدي السفهاء، ويلزمونهم بالحق كما قام رسول الله ﷺ بذلك في هجرته ﷺ وفي مكة عليه الصلاة والسلام، وهكذا قام خلفاؤه الراشدون، وهكذا دعاة الإصلاح في كل زمان ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه، و ابن القيم في زمانه، وأشباههم من دعاة الهدى.

ثم جاء دور الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في القرن الثاني عشر فقام بهذا الواجب ودعا إلى الله، وأرشد الناس إلى توحيد الله، وأنكر الشرك الذي يوجد في نجد ثم في الحجاز، أنكر ذلك ودعا إلى الحق، وهكذا أنصاره من العلماء والأخيار ومن دعاة الهدى في نجد والحجاز وفي اليمن قاموا بهذا الواجب ونصروا الحق، ودعوا إلى الله  وأرشدوا الناس إلى توحيد الله، وحذروهم من عبادة القبور والأشجار والأحجار والجن، وهكذا كل مصلح يجب عليه أن يفعل هذا العمل بالدعوة إلى الله والتوجيه، وبالجهاد الشرعي والقوة التي تردع المجرم إذا لم يرتدع بالكلام والدعوة، فإنه يحتاج إلى الردع بالقوة بالتأديب بالسجن بقتل المرتد إلى غير ذلك مما قام به نبينا ﷺ وقام به خلفاؤه الراشدون والأئمة بعدهم المهديون والله المستعان. نعم.

المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا. شيخ عبد العزيز الكثير والكثير من المفكرين يثنون على المؤتمرات ويقولون: إنها تكون الرأي العام لدى الأمة، ما رأيكم لو عقد مؤتمرات همها التوحيد، الدعوة إلى توحيد الله.

الشيخ: هذا من أهم المهمات الدعوة إلى توحيد الله هي أهم المهمات، والتوحيد هو أصل الدين وأساس الملة، فلو عقد مؤتمرات بين وقت وآخر في بلاد المسلمين بين علماء الحق لإيضاح هذه الأمور وبيانها للناس لكان هذا من أهم المهمات ومن أفضل القربات، ويكون المقصود الأول من عقد المؤتمر بيان حقيقة التوحيد، بيان معنى: لا إله إلا الله، بيان ما بعث الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام من تحقيق التوحيد وإنكار الشرك، حتى يفهمه الناس، وحتى يعقله الناس الذين جهلوه في بلاد المسلمين وفي غيرها.

هذا ينبغي أن يسعى فيه، وأن تبذل فيه الجهود؛ لأن فيه مصالح عظيمة وأي مصلحة أعظم من مصلحة التوحيد، الذي هو أصل الدين وأساس الملة، نسأل الله أن يعين على ذلك، ونسأل الله أن يمن بذلك، ولعلنا نستطيع شيئًا من ذلك في هذا الموضوع إن شاء الله، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. كدت أقول: لماذا الشيخ عبد العزيز بن باز لا يتبنى هذه الفكرة.

الشيخ: هذا من المهمات نسأل الله أن يعين على ذلك، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، وتقبل منكم.

فتاوى ذات صلة