بناء المساجد على القبور من وسائل الشرك

السؤال: ننتقل بعد هذا إلى السودان عبر رسالة وصلت من المستمع مختار عثمان من دنقلة ديوان الضرائب، أخونا مختار ضمن رسالته جمعاً من الأسئلة من بينها سؤال يقول فيه: في مدينة دنقلة مسجد كبير وبه ضريحان لشخصين يعتقد الناس أنهم من الصالحين، وهذه الأضرحة تزار وتقدم له القربان والمقابر من جهة القبلة، ويفصل بينها وبين المصلين حائط المصلى فقط، السؤال: هل يجوز لي أن أصلي في هذا المسجد لتبليغ الدين، علماً بأن المسجد يجمع أناساً كثيرين من مناطق مختلفة، وإذا صليت ما حكم صلاتي هل أعيدها أم ماذا أفعل؟

الجواب: بناء المساجد على القبور منكر عظيم ومن وسائل الشرك، لقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا يجوز البناء على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا جعلها مصلى، فالمسجد الذي فيه قبر أو أكثر لا يصلى فيه، والصلاة فيه غير صحيحة؛ لأن الرسول ﷺ نهى عنها ولعن من فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، وقال في الحديث الآخر الذي رواه مسلم في الصحيح: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد وقال: إنه ينهى عن هذا، ولعن من فعل هذا وذمه.
فلا يجوز للمسلمين أن يصلوا في المساجد التي فيها قبور، بل يجب نبشها.. يجب على الدولة وعلى أهل الحل والعقد أن ينبشوها ويجعلوها في مقابر المسلمين، لتبقى المساجد ليس فيها قبور، على الدولة إذا كانت تدين بالإسلام أن تنبش هذه القبور التي في المساجد وأن تجعلها مع المسلمين في مقابرهم، حتى تخلو المساجد من القبور.
هذا إن كانت القبور بعد المسجد، أما إن كان المسجد بني عليها وهي قديمة فالواجب أن يهدم المسجد، ولا يصلى فيه ويلتمس أهل الحي أرضاً أخرى ليس فيها قبور فيعمروا بها مسجداً ويصلون فيه.
أما المسجد الذي بني على القبور الواجب هدمه؛ لأنه أسس على معصية الله، وقد ثبت عن الرسول ﷺ: أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر .
والخلاصة: أن القبر إن كان جديداً والمسجد هو الأسبق وجب نبش القبر ونقل الرفاة إلى المقابر الأخرى، تجعل في حفرة ويسوى ظاهرها كالقبر، وهكذا لو كان أكثر من قبر قبرين ثلاثة كلها تنقل، كل رفاة قبر تجعل في حفرة وحدها في المقابر العامة يجعل ظاهرها كظاهر القبور حتى لا تمتهن ويبقى المسجد خالياً يصلى فيه.
أما إن كانت القبور هي الأصل والمسجد هو الحادث بني عليها فإنه يهدم، لأنه أسس على غير التقوى على المعصية فيهدم، ويبنى لأهل الحي مسجد في محل آخر ليس فيه قبور طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وعملاً بما دلت عليه النصوص، وتحذيراً للمسلمين من الشرك وقطعاً لوسائله؛ لأن وجود القبور في المساجد من وسائل الشرك ومن وسائل الغلو فيها، ومن وسائل دعائها والاستغاثة بها والنذر لها، ثم الطواف بها ولا حول ولا قوة إلا بالله فيجب الحذر من ذلك.
أما إن كان القبر خارج المسجد عن يمنيه أو شماله أو أمامه أو خلفه وليس في داخله فالصلاة صحيحة، لكن لو تيسر إبعاده في المقابر يكون أولى حتى لا يغلو فيه أحد، إذا كان خارج المسجد خارج بناء المسجد عن يمين أو شمال أو أمام أو خلف فالأولى والأفضل أن ينقل لا يبقى قبر عند المسجد لئلا يغلى فيه، فينقل للمقابر العامة، ولكن الصلاة به صحيحة؛ لأن المسجد سليم من القبور ليس فيه قبور ليس بداخله قبور.
ونسأل الله أن يوفق ولاة أمور المسلمين لتطهير بلادهم من آثار الشرك ووسائله، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم وبطانتهم، وأن يوفق العلماء للقيام بما يجب من النصيحة لولاة الأمور وإرشادهم إلى الخير وإعانتهم عليه، فإن واجب العلماء عظيم في كل مكان في السودان وغير السودان واجب العلماء عظيم، يجب عليهم أن يرشدوا الناس إلى أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أمر منكر بل شرك أكبر، وأنه لا يجوز الغلو في القبور ولا الطواف بها ولا دعاء أهلها والاستغاثة بهم ولا أن يطلب منهم المدد هذا منكر عظيم وشرك أكبر.
فالواجب على أهل العلم في السودان، وفي مصر وفي الشام وفي الأردن وفي كل مكان وفي هذه الجزيرة كلها في اليمن وفي هذه الجزيرة وفي الخليج في كل مكان، الواجب على العلماء أن يبينوا أمر الله، وأن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعة الله، وأن ينكروا عليهم المنكرات حتى يعرف الناس المنكر وحتى يحذروه، فالعلماء هم ورثة الأنبياء وعليهم واجب عظيم هو واجب الدعوة والبلاغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في كل بلد وفي كل دولة.
وعلى العلماء إذا كانت الدولة كافرة أن يرفعوا إليها ويبينوا لها أن هذا الأمر كذا وكذا حتى تسمح لهم بعمل ما شرعه الله؛ لأنه لابد من قوة تعين على إزالة المنكر؛ لأن العامة الجهلة قد يعترضون على أهل العلم فلابد من الاستعانة بالله ثم بالدولة حتى تعينهم على هدم المساجد التي بنيت على القبور، وحتى تعينهم على نقل القبور التي وضعت في المساجد تنقل رفاتها إلى المقابر العامة، وليس لأحد أن يفعل ما يحصل به التشويش بل عليه أن يستأذن من ولاة الأمور حتى تجري الأمور على طريقة حسنة مضبوطة من جهة ولاة الأمور، وإذا كان ولي الأمر قد جعل الأمر لأمير البلد وعلماء البلد قاموا بالواجب، فالعلماء يرفعون لأمير البلد وأمير البلد ينفذ ويتعاون الجميع على البر والتقوى، كما قال الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ولا يجوز للعالم السكوت عن هذا الأمر العظيم والخطر الكبير، يجب على أنصار السنة في مصر والشام وفي السودان وفي كل مكان وعلى العلماء جميعاً في كل مكان أن يبينوا للناس أمر الله، وأن يشرحوا لهم حقيقة الدين، وأن يوضحوا لهم أنواع الشرك الأكبر والأصغر وسائر المعاصي حتى يجتنبوها حتى يحذروها، ويجب على العلماء أن ينكروا على الناس دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر للأموات والذبح لهم وأن يجعل صناديق للنذور هذا منكر عظيم وشرك وخيم، يجب أن ينكر.. يجب على العلماء أن ينكروه بغاية النشاط وبالأساليب الحسنة التي يحصل بها إنكار المنكر، ولا يحصل بها التشويش مع ولاة الأمور بل يتصلون بولاة الأمور ويخبرونهم بما يجب حتى تتفق الكلمة مع ولاة الأمور في إنكار المنكر، والقضاء على أسباب الشر والفساد والشرك.
فالعلماء واجبهم عظيم وهم مسئولون أمام الله يوم القيامة، مسئولون عما قصروا فيه وعما لم يقوموا به من الواجب هم ورثة الرسل هم خلفاؤهم، يقول الله سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، ولاسيما فيما يتعلق بالعقيدة ما يتعلق بالشرك والتوحيد فإنه أعظم من غيره، فأصل الدين وأساس الملة عبادة الله وحده، وهو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وقال سبحانه في سورة الحج: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
فدعوة الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم وطلبهم المدد هذا من الشرك الأكبر، سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، هذا حق الله، العبادة حق الله وحده لا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به، فالأموات قد انقطعت أعمالهم إلا مما شرع الله من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لأبيه وأمه.
المقصود: أنهم لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم، ولا يطلب منهم المدد ولو كانوا عظماء في الدين، كالعلماء والرسل لا يجوز هذا أبداً، بل دين الله سبحانه إخلاص العبادة لله وحده قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] هكذا يقول سبحانه، ويقول  فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر:14] .. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2].
أما الحي القادر لا بأس أن يستعان به الحي القادر، تقول لأخيك: أعني على كذا يسمع كلامك، أو من طريق الهاتف أو من طريق الكتابة تقول: يا أخي! ساعدني على كذا، أعني على مزرعتي على إصلاح سيارتي، اشتر لي كذا، لا بأس بالتعاون بين الأحياء. أما دعاء الأموات أو دعاء الغائبين يعتقد أن لهم سراً يسمعون وهم غائبون بدون واسطة هذا شرك أكبر، أو دعاء الجن، أو دعاء الملائكة أو الاستغاثة بهم هذا هو الشرك الأكبر، الذي بعث الله الرسل بإنكاره والنهي عنه والتحذير منه، وهو مصادم لقوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولقوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
نسأل الله أن يوفق ولاة الأمور من الأمراء والعلماء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة وأن يجعلهم هداة مهتدين وإيانا وسائر إخواننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً. 
فتاوى ذات صلة