ما معنى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}؟

السؤال: نعود أيضاً إلى رسالة الأخ مصطفى محمد كاكاو ياسين من العراق أخونا يسأل في هذه الحلقة عن قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68 - 69]، هل المقصود في الآية أن يفعل الإنسان الكبائر الثلاث ثم يخلد في النار أم المقصود إذا ارتكب إحدى هذه الكبائر يخلد في النار، فمثلاً ارتكب جريمة القتل مثلاً هل يخلد في النار أو لا، نرجو أن تتفضلوا بالتفسير المفصل لهذه الآية الكريمة؟ 

الجواب: هذه الآية العظيمة فيها التحذير من الشرك والقتل والزنا وأن أصحاب هذه الجرائم متوعدون بما قاله الله سبحانه: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68] ، قيل: إنه وادي في جهنم، وقيل: المعنى (أثاماً) يعني: إثماً كبيراً عظيماً، ولهذا فسره بقوله: يُضَاعَفْ لَهُُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69] هذا جزاء من اقترف هذه الجرائم الثلاث؛ أنه يضاعف له العذاب ويخلد في العذاب مهاناً لا مكرماً، وهذه الجرائم الثلاث مختلفة في المراتب، فجريمة الشرك هي أعظم الجرائم وهي أعظم الذنوب وصاحبها مخلد في النار أبد الآباد لا يخرج من النار أبداً، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17]، نعوذ بالله، وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَاا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، قال : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر:65]، قال في حقهم: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37]، والآيات في هذا كثيرة.
فالمشرك إذا مات على شركه ولم يتب فإنه مخلد في النار والجنة عليه حرام والمغفرة عليه حرام بإجماع المسلمين، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْْ يَشَاءُ [النساء:48]، فجعل المغفرة حراماً على المشرك إذا مات على شركه، أما ما دون الشرك فهو معلق، ما دون الشرك فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى.
فالخلاصة: أن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام ويستغيث بها، أو الأشجار أو الأحجار أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو غير ذلك، أو يعبد الأموات الذين يسمونهم بالأولياء أو يعبد الأنبياء أو يعبد الملائكة يستغيث بهم وينذر لهم، يطلبهم المدد والعون عند قبورهم أو بعيداً من قبورهم، مثلما يقول بعضهم: يا سيدي فلان! اشف مريضي، المدد المدد يا سيدي البدوي، يا سيدي عبد القادر، يا رسول الله! المدد المدد، أو يا حسين، أو يا فاطمة، أو يا ست زينب أو غير ذلك ممن يدعوهم المشركون، هذا كله من الشرك الأكبر والعياذ بالله! إذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار نعوذ بالله والخلود فيها.
أما الجريمة الثانية: وهي القتل، والثالثة: وهي الزنا، هاتان الجريمتان دون الشرك معصيتان، فإذا كان من تعاطاهما لم يستحلهما يعلم أنهما محرمان، يعلم أن هاتين الجريمتين معصيتان محرمتان ولكن حمله الغضب أو الهوى أو ما أشبه ذلك على إقدامه على القتل بسبب البغضاء والعداوة أو أسباب أخرى، وحمله الهوى والشيطان على الزنا وهو يعلم أن القتل محرم بغير حق وأن الزنا محرم، فهاتان الجريمتان توجبان النار، وغضب الله إلا أن يعفو الله عن صاحبهما لأعمال صالحة أو توبة قبل الموت، فإذا تاب عفا الله عنه، وقد يعفى عنه لأعمال صالحة كثيرة له أو بشفاعة الشفعاء أو بدعاء المسلمين له.. إلى غير ذلك، وقد يعذب في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وهذا واقع لكثير من الناس؛ يعذبون على معاصيهم ثم يخرجهم الله من النار برحمته سبحانه وتعالى، تارة بأسباب الشفعاء كشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة الملائكة والأفراط والمؤمنين، وقد يخرج الإنسان من النار بشفاعة هؤلاء بعدما يمضي فيها ما كتب الله له من العذاب.
ويبقى في النار أقوام من أهل التوحيد لا تنالهم شفاعة الناس فيخرجهم الله سبحانه وتعالى برحمته جل وعلا؛ لأنهم ماتوا على توحيد على إيمان ولكن لهم أعمال خبيثة ولهم معاصي دخلوا بها النار، فإذا طهروا منها ومضت المدة التي كتب الله عليهم أخرجوا من النار رحمة من الله عز وجل ويلقون في نهر يقال له: نهر الحياة، من أنهار الجنة، ينبتون فيه كما تنبت الحبة من حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، وبهذا يعلم أن العاصي كالقاتل والزاني لا يخلد خلود الكفار بل خلود خاص غير خلود الكفار، يقول سبحانه: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69] هذا خلود متنوع مختلف، فخلود المشرك هذا خلود دائم ليس لهم منه محيص وليس لهم منها مخرج كما قال جل وعلا: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، هكذا في سورة البقرة.
وقال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] هكذا في سورة المائدة، فالرب عز وجل بين لنا أنهم لا يخرجون من النار، يعني: الكفرة، أما العصاة فيخرجون إذا تمت المدة التي كتب الله عليهم، يخرجون من النار إما بشفاعة الشفعاء وإما بمجرد رحمته سبحانه وتعالى يعني: رحمة الله جل وعلا من دون شفاعة أحد، فإن بقايا أهل التوحيد في النار يخرجهم الله منها بدون شفاعة أحد بل برحمته سبحانه وتعالى فلا يبقى في النار إلا أهلها وهم الكفرة، فتطبق عليهم ولا يخرج منهم أحداً بعد ذلك نسأل الله العافية، ويسمى وجود العصاة في النار مدة طويلة يسمى: خلوداً، عند العرب الإقامة الطويلة تسمى خلود، كما في قول بعض الشعراء:
أقاموا فأخلدوا .................
يعني: طولوا الإقامة، فالمقيم طويلاً يسمى مخلد، ويقال: أخلد في المكان يعني: طول فيه الإقامة، فالزاني والقاتل تكون إقامتهما أكثر من غيرهما من العصاة، والقتل أقبح وأشر من الزنا، والزنا من أعظم الجرائم لما فيه من الفساد في الأرض، فهما جريمتان عظيمتان يحصل لأصحابهما الخلود في النار خلود يليق بهما على حسب معاصيهما، فهو خلود له نهاية وهكذا خلود الذي يقتل نفسه يخلد في النار لكن خلود له نهاية بخلاف خلود الكافر فإنه لا نهاية له، أما العاصي من الزاني والقاتل نفسه والقاتل لغيره هؤلاء يطول مكثهم في النار ويكثر لكنهم يخرجون بإذن الله ومشيئته سبحانه وتعالى بعد مضي المدة التي كتبها الله عليهم وهم فيها متفاوتون بعضهم أطول من بعض على حسب كثرة معاصيهم وكثرة تساهلهم بأمر الله واستخفافهم بحقه، على حسب هذا تكون الإقامة مع أنها لا تستمر بل لها نهاية فهو خلود له نهاية. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم.
فتاوى ذات صلة