ما معنى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}؟

السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الرياض وباعثها أخونا أبو صلاح الدين، أخونا بدأ رسالته يقول: أحب أن أقدم لكم جزيل الشكر بعد الله وأدعو الله لكم أن يغفر لكم ويسدد خطاكم ويبارك لكم في أعماركم.
ثانياً: أود منكم جزاكم الله خيراً أن تنقلوا سلامي وتحياتي لجميع العلماء المشاركين في هذا البرنامج، وأخص منهم سماحة الشيخ الوالد الكريم عبد العزيز بن باز وأخبره أني والله أحبه في الله وأدعو له دائماً في ظهر الغيب أن يجمعنا الله في الجنة، جعلك الله من أهلها والمسلمين آمين، وبعد: فلي عدة أسئلة أحب الإجابة عنها ولكم منا الدعاء:
أولاً: أرجو شرح معنى هذه الآية التي احترت في فهم معناها كثيراً والقول الراجح في تفسيرها يقول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ۝ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: 106-108]، هل يفهم من هذا أن من دخل الجنة يخرج منها إذا شاء الله، وهل نسخت هاتان الآيتان بشيء من القرآن إذ أنهما وردتا في سورة مكية؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإني أشكر السائل على دعواته لإخوانه المشايخ وأسأل الله أن يستجيب دعاءه وأن يوفق الجميع لما يرضيه، كما أشكره على حبه لي في الله وأقول: أحبه الله الذي أحبني لأجله.
أما السؤال: فالآيتان ليستا منسوختين بل هما محكمتان، وقوله جل وعلا: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108] اختلف أهل العلم في بيان معنى ذلك مع إجماعهم بأن نعيم أهل الجنة دائم أبداً لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها، ولهذا قال بعده سبحانه: عَطَاءً غَيْرََ مَجْذُوذٍ [هود:108] لإزالة ما قد يتوهم بعض الناس من أن هناك خروجاً، فهم خالدون فيها أبداً وهذا العطاء غير مجذوذ، يعني: غير مقطوع، ولهذا في الآيات الأخرى يبين هذا المعنى فيقول سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ[الحجر:45-46] قوله: (آمنين) يعني: آمنين من الموت وآمنين من الخروج، وآمنين من الأمراض والأحزان وكل كدر، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:47-48]، فهم فيها دائمون لا يخرجون.
وقال : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ۝ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ۝ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ۝ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ۝ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان: 51 -57].
فأخبر سبحانه أن أهل الجنة في مقام أمين لا يعتريه خراب ولا زوال، وأنهم آمنون أيضاً فلا خطر عليهم من موت ولا مرض ولا خروج ولا حزن ولا غير ذلك، وأنهم لا يموتون أبداً، فعلم بهذا أن أهل الجنة مخلدون، فقوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107] قال بعض أهل العلم: معناه مدة مقامهم في القبور، هذا ليسوا في الجنة وإن كان المؤمن في روضة من رياضها وفي نعيم لكن ذلك ليس هو الجنة وإنما هو شيء من الجنة، فإنه يفتح إلى المؤمن في قبره باب إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبها ونعيمها، ولكنه ليس المحل الجنة بل ينقل إليها بعد ذلك إلى الجنة فوق السموات في أعلى شيء.
وقال بعضهم معنى إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ يعني: مدة مقامهم في موقف القيامة للحساب والجزاء، هذا مستثنى بعد خروجهم من القبور فإنهم بعد ذلك ينتقلون إلى الجنة.
وقال بعضهم: مجموع الأمرين، مدة بقاؤهم في القبور،ومدة بقاؤهم في الموقف ومرورهم على الصراط، كل هذه الأوقات كلها زائدة ليسوا في الجنة لكن ينقلون منها إلى الجنة، فقوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ يعني: إلا وقت مقامهم في القبور وإلا وقت مقامهم في الموقف و إلا وقت مرورهم على الصراط، فهم في هذه الحالة ليسوا في الجنة ولكنهم منقولون إليها وسائرون إليها، وبهذا يعلم أن المقام مقام واضح ليس فيه شبهة ولاشك ولا ريب، فأهل الجنة منعمون فيها وخالدون أبد الآباد، لا موت ولا مرض ولا خروج ولا كدر ولا حزن، ولا حيض ولا نفاس، ولا شيئاً من الكدر أبداً بل في نعيم دائم وخير دائم.
وهكذا أهل النار مخلدون فيها أبد الآباد لا يخرجون منها ولا تخرب أيضاً هي بل تبقى وهم باقون فيها، وقوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، قيل فيه: مدة بقاؤهم في المقابر، أو مدة مقامهم في الموقف مثلما تقدم في أهل الجنة، وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد نسأل الله العافية، كما قال في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[البقرة:167]، وقال في سورة المائدة في حق الكفرة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌٌ مُقِيمٌ[المائدة:37] .
قال بعض السلف: إن النار لها أمد ولها نهاية بعدما يمضي عليها آلاف السنين والأحقاب الكثيرة إنها تنتهي وأنهم يموتون أو يخرجون وهذا قول ليس بشيء عند أهل السنة والجماعة قول ضعيف، والذي عليه عموم أهل السنة والجماعة وجمهور أهل السنة والجماعة أنها باقية أبد الآباد وأنهم لا يخرجون منها وأنها لا تخرب أيضاً بل هي باقية أبد الآباد لظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، نسأل الله العافية والسلامة. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً، ذلكم التفسير سماحة الشيخ الذي تفضلتم بعرضه وقلتم: إنه قول لكثير من العلماء، هل له مستند من الأحاديث أو من القرآن الكريم ..
الشيخ: يعني خراب النار؟
المقدم: لا، بالنسبة للفظ المشيئة في الآيتين؟
الشيخ: مجمل، هذا مجمل، هذا من المشتبه، إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ، هذا من المشتبه، ولهذا اختلف تفسيرهم له ولكنهم يقيناً أنه قبل دخلوهم الجنة، بمعنى هذا مستثنى قبل دخلوهم الجنة، فإما أن يراد به مقامهم في القبور أو مقامهم في موقف الحساب، وأما بعد دخلوهم الجنة فلا يخرجون منها أبد الآباد بإجماع المسلمين.
المقدم: بارك الله فيكم.


 

فتاوى ذات صلة