نصيحة لمن تدرس في بيئة مختلطة

السؤال:

شيخ عبد العزيز ! اجتمع لي في هذه الحلقة ثلاث رسائل، ومرسلوها من أخواتنا المسلمات المستمعات، وقضيتهن واحدة تقريبًا، لعل إحدى هذه الرسائل تعبر عن تلكم القضية، فهذه إحداهن تقول: أنا أختكم في الإسلام، وأنا أعاني من مشاكل في حياتي، وهي أنني أعيش في وسط بعيد كل الناس فيه عن الدين، فأنا أدرس في معهد، وهذا المعهد مختلط بين الجنسين، ويمنع فيه لبس أي نوع من الحجاب، وكل الذين موجودين فيه بعيدين عن الدين، وأنا أجد نفسي أتأثر بتصرفاتهم، ويزداد بعدي عن الله وعن إقامة فرائضه وهي الصلاة، حيث أقول لنفسي: ما نفع صلاتي، وأنا أضطر كل يوم إلى ارتكاب المحرمات والمعاصي بقصد وبدون قصد، وأريد منكم أن ترشدوني إلى الطريق الذي فيه سلامتي من غضب الله وراحة للنفس، مع أنني لا أستطيع أن أترك الدراسة وأحافظ على العزلة؛ لأن الشهادة في هذا الزمن ضرورية جدًا وبخاصة لي، أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

ورسالة أخرى وصلت من العراق في نفس المعنى، وثالثة من جمهورية مصر العربية، نرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بتوجيه الأخوات إلى الطريق الأمثل وهن في ذلكم الوسط الذي وصفنه في رسائلهم.

الجواب:

مقتضى الأدلة الشرعية أن الدراسة إذا كانت تشتمل على ما يضر الدارسة أو الدارس أنه لا حاجة إليها؛ لأن الواجب أن يتعلم المسلم ما لا يسعه جهله، وهذا في إمكانه أن يتعلمه من المعلمين في المساجد مع الحجاب والبعد عن الفتنة، في المدارس الأهلية السليمة، في بيت بواسطة أبيه أو أمه أو امرأة صالحة أو ما أشبه ذلك.

أما هذه الدراسة المختلطة، هذه خطرها عظيم وفسادها كبير ولا سيما أيضًا مع السفور وعدم الحجاب، فيجتمع الشر كله، فالذي أنصح به هؤلاء الأخوات أن يدعن هذه الدراسة وأن يبتعدن عن هذه الدراسة حفاظًا على دينهن وعلى أخلاقهن، وسوف يجعل الله لهن فرجًا ومخرجًا من طريق دراسة سليمة يحصل بها معرفة الدين من دون وقوع فيما حرم الله.

وليست الوظائف ضرورية وليست الشهادات ضرورية، فقد مر السلف الأول وليسوا ممن يتعاطى هذا الأمر، ويمكن العمل في أشياء أخرى بدون هذه الشهادة.

وليس من الضروري أيضًا العمل؛ لأن الرجال قوامون على النساء، وفي إمكانها أن تتزوج ويقوم عليها الزوج، أو يقوم عليها والدها أو إخوتها فيما تحتاج إليه، فالرجال قوامون على النساء.

وبكل حال هذه الدراسة منكر وشر عظيم وعواقبها وخيمة، وسوف يجعل الله لمن تركها فرجًا ومخرجًا، وسوف يسهل الله له طلبه السليم إذا صدق في ذلك، وكان قصده وجه الله والدار الآخرة، كما قال الله سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، فعلى الطالب والطالبة في هذه الأقسام عليه الحذر وعليها الحذر، عليهما الحذر جميعًا، فالبقاء في هذه الدراسة تعريض للنفس والعرض والدين لما لا تحمد عقباه، والمسلم مأمور بأن يصون نفسه عما حرم الله، وأن يبتعد عن أسباب الخطر، وقد وعد الله عباده بتفريج الكروب وتيسير الأمور، فعند الضيق يجيء الفرج، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

فهذه نصيحتي لهؤلاء الأخوات ولأشباههن من الطالبات في المدارس والمعاهد والكليات المختلطة، نصيحتي للجميع ترك هذه الدراسة والمطالبة لولاة الأمور بدراسة غير مختلطة للنساء على حدة وللرجال على حدة، ومتى صدق الشعب في هذه الأمور وطلب من ولاة الأمور إفراد النساء وإفراد الرجال كل على حدة، كل في دراسة تخصه، فإن ولاة الأمور لا بد أن يستجيبوا؛ لأن هذا أمر معقول ومصلحته ظاهرة، وإذا جد فيه الشعب الطيب، وبين لولاة الأمور الأضرار العظيمة والعواقب الوخيمة فإن ولاة الأمور إن شاء الله يستجيبون لهذا الأمر إذا رأوا من الشعب الصدق في ذلك والهمة العالية في ذلك.

ولا يجوز للإنسان أن يقول: هذا مستحيل أو هذا أمر غير ممكن، لا، كل هذه دعوى لا تليق، بل ينبغي أن نحسن الظن بالله وأن لا نيئس من الإصلاح، وولاة الأمور في بلاد المسلمين يرجى لهم الهداية إذا صدقوا وإذا أرادوا الخير، والله المسئول أن يهديهم ويوفقهم للخير، وأن يصلح لهم القلوب والأعمال والبطانة، وأن يشرح صدورهم للتمسك بشريعة الله وللحكم بشريعة الله، فعلى الشعب أن يعينهم على هذا، وأن لا يطاوع فيما حرم الله، بل يكون عنده النشاط والهمة العالية في فعل ما أمر الله وترك ما نهى الله، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة