ما هو الحجاب الشرعي للمرأة؟

السؤال:

تقول: كثير من النساء يسمين تغطية الرأس وكشف الوجه حجابًا، فأرجو من سماحتكم توضيح هذا اللبس وبيان معنى كلمة الحجاب، والفائدة التي تعود على المرأة إذا غطت وجهها عن الرجال الأجانب؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الجواب:

الحجاب حجابان: حجاب واجب عند الجميع؛ عند جميع أهل العلم، وهذا هو غطاء الرأس وغطاء البدن، ماعدا الوجه والكفين، أما غطاء الوجه والكفين عن الرجال فهذه مسألة خلاف بين العلماء، والصواب أنه يجب عليها أن تحجب وجهها وكفيها عن الرجال؛ لأن الوجه عورة وزينة واليدان كذلك، والله جل وعلا يقول: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] فالوجه من الزينة العظيمة، واليدان كذلك، فهي تمنع من إبداء زينتها للأجانب في الأسواق أو عند إخوة زوجها وأعمام زوجها، أو عند الخدم، ونحو ذلك، حذرًا من الفتنة عليها وبها.

ويقول جل وعلا في آية أخرى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] الآية من سورة الأحزاب، فأبان سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع، الرجال والنساء، وهذا يعم الوجه وغيره في قوله: من وراء حجاب يعم الوجه وغيره، وقد قالت عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع: "كنا مع النبي ﷺ في حجة الوداع فإذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا بعدوا كشفنا" وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها أنها قالت لما سمعت صوت صفوان بن المعطل تسترجع لما رآها قد تركها الجيش قالت: "فسمعت صوته وكان قد رآني قبل الحجاب فلما سمعت صوته خمرت وجهي" فدل على أن النساء قبل الحجاب كن لا يخمرن وجوههن، فلما نزلت آية الحجاب خمرن وجوههن عن الرجال.

وآية الحجاب قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فالحجاب لجميع البدن، أما الرأس والقدمان؛ الرأس يجب ستره، والقدمان يجب سترهما، وهكذا الصدر والنحر ونحو ذلك، الخلاف في الوجه والكفين، بعض أهل العلم يرى أنهما ليستا عورة إذا كان الوجه ليس فيه زينة لا كحل ولا جمال، والكفان ليس فيهما حلي ولا جمال، والصواب أنهما زينة، وأنهما عورة يستران مطلقًا حتى ولو كان ليس فيهما كحل ولا زينة، وليس في اليدين حلي، والصواب أنهما عورة، لأنهما من الزينة المذكورة في قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] حتى الرجل الخلخال الذي فيها من العورة، قال سبحانه: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] فنهى عن الضرب بالرجل؛ لأن ذلك يفضي إلى أن يعلم الخلخال، فكيف بإبداء الوجه وإبداء النحر وإبداء اليد؟

وقد يتعلل بعض من أجاز كشف الوجه إذا لم يكن فيه فتنة واليدين قد يتعلل بعضهم بحديث رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما دخلت على النبي ﷺ في بيت عائشة وعليها ثياب رقاق -وعلى أسماء ثياب رقاق- فأعرض عنها النبي ﷺ وقال:  يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه. قالوا: فهذا يدل على أن الوجه والكفين ليسا عورة، لقوله ﷺ: إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا.

والجواب نعم، هذا صريح، لو صح لكان صريحًا في أنهما ليسا بعورة إذا كان هذا الحديث بعد الحجاب بعد نزول الحجاب ولكن الحديث غير صحيح والوقت غير معلوم، هل هو بعد الحجاب أو قبل الحجاب؟ والحديث فيه علل:

أولاً: أنه منقطع بين الراوي عن عائشة و عائشة كما قاله أبو داود رحمه الله لما رواه قال: هو مرسل، يعني: منقطع؛ لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة ولم يدركها ولم يسمع منها والمنقطع ضعيف لا يحتج به.

العلة الثانية: أن في رواته شخصًا يقال له: سعيد بن بشير ، ضعيف لا يحتج بروايته.

العلة الثالثة: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة وهو مدلس، والمدلس إذا عنعن لا تقبل روايته حتى يصرح بالسند.

والعلة الرابعة: أنه منكر المتن؛ لأنه لا يليق بـأسماء أن تدخل على النبي ﷺ وهي امرأة كبيرة؛ امرأة الزبير من خيرة أصحاب النبي ﷺ، ومن العشرة المشهود لهم بالجنة، لا يليق بها أبدًا ولا يظن بها أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقاق ترى عورتها منها، هذا لا يظن بها رضي الله عنها ولا يليق بها أبدًا، وهي أكبر من عائشة وأسن من عائشة، فلا يظن ظان ولا ينبغي أن يظن ظان أنها تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقاق ترى عورتها منها، يعرض عنها النبي ﷺ، يرى منها شعرها وصدرها وبدنها، هذا لا يظن بها أبدًا، فهو باطل المتن منكر المتن.

العلة الخامسة: أنه لم يحفظ أن هذا بعد الحجاب، بعد نزول آية الحجاب، وكانوا قبل الحجاب تكشف المرأة وجهها ويديها وتجلس مع الناس ثم أنزل الله الحجاب ومنعن من ذلك، فلو صح سنده واستقام متنه لكان يجب أن يطالب المدعي بإثبات أنه بعد الحجاب حتى تقوم به الحجة، أما قبل الحجاب فكان النساء يفتشن وجوههن وأيديهن وأقدامهن قبل الحجاب ثم أنزل الله آية الحجاب فمنعن من ذلك وأمرن بالتستر والحجاب، كما في قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] قوله : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31]إلى آخره، قوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] والجلباب: ما تضعه فوق رأسها وبدنها، وفق الله الجميع. نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة