حكم الاحتجاج بالقدر في المعاصي

السؤال:

رسالة مطولة بعض الشيء من إحدى الأخوات المستمعات تقول أم خالد من مكة المكرمة، الرسالة فيها شيء من المعاناة سماحة الشيخ، وإن كانت مطولة أستأذنكم بعض الشيء، تقول: إنها امرأة متزوجة منذ عشرين سنة تقريبًا، ومعها الآن سبعة عيال، أكبرهم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وأصغرهم يبلغ الرابعة من عمره، ومن يوم زواجنا وزوجي لا يصلي، وفي بداية زواجنا صام ثلاثة رمضانات، وصلى فيها فقط، وبعد ذلك الوقت لا يصلي، ولا يصوم، وأنا امرأة أصلي وأصوم وأخاف الله، وكثير من المرات قلت له: أن يصلي، ولكنه كان يقول: إذا كان هو من قبضة اليمين؛ فسوف يدخل الجنة، وإذا كان من قبضة الشمال؛ فسوف يدخل النار، فإذًا صلاته، أو عدمها لا فائدة منها، وفي هذه الأشهر القريبة سمعت من برنامجكم أن المرأة التي تصوم وتصلي لا تجوز للرجل الذي لا يصلي ولا يصوم، فتكلمت معه بهذا الخصوص، وحصلت مشاكل، وبعد ذلك -ومنذ أشهر قليلة- أصبح يصلي مرة، ولا يصلي أخرى، ويؤخر صلاة العصر والعشاء، ولا يذهب إلى المسجد، مع أننا نسمع الأذان، ونحن في البيت، أرجو أن توجهوني كيف أتصرف. ولها أسئلة أخرى متعلقة بنفس الموضوع، هل أقرؤها سماحة الشيخ دفعة واحدة؟

الشيخ: ..... بعدين.

المقدم: نعم. 

الجواب:

نسأل الله لنا وله الهداية، نسأل الله لنا وله الهداية، هذا قوله: إن كنت من قبضة اليمين؛ دخلت الجنة إلى آخره هذا غلط لا يحتج بالقدر، الرسول ﷺ لما سألوه: قالوا يا رسول الله! لما قال لهم: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار قال الصحابة: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال ﷺ: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10].

فلا يجوز لأحد أن يحتج بالقدر، بل على كل إنسان من رجل وامرأة أن يتقي الله، وأن يعمل بطاعة الله من صلاة وصوم وحج وزكاة، وغير ذلك، وعليه أن يحذر معاصي الله، الله أعطاه عقلًا، وأعطاه سمعًا، وأعطاه بصرًا، لابد أن يستعمل ما أعطاه الله من النعم، ولا يجوز له أن يحتج بالقدر، وهل يمكنه أن يحتج بالقدر فيجلس ولا يأكل ولا يشرب إن كان صادقًا؟! ليجلس لا يأكل ولا يشرب، ويقول: إن كنت كتب الله لي أني أحيا حييت! هو يكذب، لا يستطيع أن يبقى، بل لابد أن يأكل ويشرب.

فالمقصود: أن هذا الاحتجاج بالقدر أمر باطل، فلا يجوز أن يحتج بالقدر، لا في أكله وشربه، ولا في جماعه لزوجته، ولا في طلبه للولد، ولا في بره لوالديه، ولا في طلبه للتجارة، ولا في أسفاره، ولا في مزرعته، ولا غير هذا.

فهكذا في صلاته، هكذا في صومه، هكذا في أعماله الأخرى، ليس له أن يحتج بالقدر، بل يجب أن يعمل بما أوجب الله، وأن يدع ما حرم الله، كما يجب عليه أن يطلب الرزق، ويتسبب في طلب الرزق الذي يعينه على طاعة الله، ويغنيه عن الناس، بالبيع والشراء، أو بطريق الزراعة، أو النجارة، أو الحدادة، أو الخياطة، أو غير هذا من الأسباب، وليس له أن يحتج بالقدر ويقول: أجلس في بيتي، ولا أفعل الأسباب والرزق يأتيني! هذا غلط ما يقوله عاقل.

فهكذا في الصلاة والعبادة لا يجوز أن يترك الصلاة ويقول: أنا إن كنت من أهل السعادة؛ دخلت الجنة، وإلا فأنا من أهل النار، هذا كله باطل، ولا يجوز الاحتجاج بالقدر أبدًا، وهذه حجة المشركين: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148] ولم يعذرهم الله .

فالواجب على زوجك أن يتقي الله، وأن يراقب الله، وأن يصلي مع المسلمين في المساجد، وأن يحافظ على ذلك، وأن يصوم رمضان، وأن يؤدي زكاة ماله إن كان عنده مال، وأن يحج حج البيت، الحج الواجب، الفريضة وهو مرة في العمر، وأن يبر والديه، وأن يقوم بحق زوجته إلى غير ذلك.

والواجب عليك أنت أن تمتنعي منه، ولا تمكنيه من نفسك حتى يتوب إلى الله توبة صادقة، حتى يصلي جميع الأوقات، ما دام لا يصلي؛ فهو كافر، وليس لك أن تمكنيه من نفسك، هذا هو الحق، وهذا هو الصواب من قولي العلماء: أن من تركها؛ كفر، وإن لم يجحد وجوبها؛ لقول النبي ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها؛ فقد كفر وقال -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل، وبين الكفر والشرك ترك الصلاة في أحاديث أخرى كثيرة تدل على كفر تارك الصلاة، فاتقي الله أنت، واحذري شره، وابتعدي عنه عند أهلك؛ حتى يتوب الله عليه، وإن أبى؛ فارفعي الأمر إلى المحكمة، والمحكمة تنظر في الأمر، ولا تتساهلي في هذا أبدًا، نسأل الله لنا وله الهداية.

المقدم: اللهم آمين، سنعود إلى رسالتك يا أم خالد في حلقة قادمة، إن شاء الله تعالى. 

فتاوى ذات صلة