هل الإنسان مسير أم مخير؟ وهل الأعمال التي يعملها هي من إرادة الله؟

السؤال:

هذه رسالة من المستمع جهاد رشيد، من العراق، محافظة التأميم، سؤاله الأول يقول: هناك قسم من الناس يقولون: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله، رجاؤنا أن توضحوا هذه المسألة هل الإنسان مخير أم مسير؟ 

الجواب:

هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس، والإنسان مخير ومسير؛ مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرًا ومقهورًا، لا، بل له اختيار وله مشيئة وله إرادة، كما قال : لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29] وقال سبحانه: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ۝ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر:55-56] وقال سبحانه: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:67] وقال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء:18].

فالعبد له اختيار، وله إرادة، وله مشيئة، لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله  فهو -جل وعلا- المتصرف في عباده، والمدبر لشؤونهم؛ فلا يستطيعون أن يشاؤوا شيئًا، أو يريدوا شيئًا إلا بعد مشيئة الله له، وإرادته الكونية القدرية ، فما يقع في العباد، وما يقع منهم، كله بمشيئة من الله سابقة، وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب، وانتزاع ملك، وقيام ملك، وسقوط دولة، وقيام دولة؛ كله بمشيئة الله ، كما قال : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] .

فالمقصود: أنه -جل وعلا- له إرادة في عباده ومشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها: الإرادة الكونية، والمشيئة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

فالعبد له اختيار، وله إرادة، ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته ، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله، والعبد ملوم عليها ومأزور وآثم، والحجة قائمة الحجة لله وحده : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149] ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35] فهو سبحانه لو شاء لهداهم جميعًا، ولكن له الحكمة البالغة، حيث جعلهم قسمين: كافرًا ومسلمًا، وكل شيء بإرادته ومشيئته، فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيدًا، وأن يكون على بينة في دينه، فهو مختار، له إرادة، وله مشيئة، يستطيع يأكل يشرب، يضارب يتكلم يطيع يعصي يسافر يقيم يعطي فلانًا ويحرم فلانًا، إلى غير هذا، هو له مشيئة في هذا، وله قدرة، ليس مقهورًا ولا ممنوعًا، ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبقها من الله، بعد أن تسبق إرادة الله -جل وعلا- ومشيئته لهذا العمل لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:29-30].
فهو سبحانه المسير لعباده، كما قال : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس:22] فهو المسير لعباده، وبيده نجاتهم وسعادتهم وضلالهم وهلاكهم، هو المتصرف في عباده، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء ، يعطي من يشاء، ويحرم من يشاء، يسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه .

فينبغي لك -يا عبد الله- أن تكون على بصيرة في هذا الأمر، وأن تتدبر كتاب ربك، وسنة نبيك -عليه الصلاة والسلام-؛ حتى تعلم هذا واضحًا في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار وله مشيئة، وله إرادة، وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه، بل هو مملوك لله مقدور لله ، يدبره كيف يشاء ، مشيئة الله نافذة، وقدره السابق ماض فيه، ولا حجة له بالقدر السابق، فالله يعلم أحوالهم ولا تخفى عليه خافية ، وهو المدبر لعباده، والمصرف لشؤونهم -جل وعلا-، وقد أعطاهم إرادة ومشيئة واختيارًا يتصرفون به، نعم. 

فتاوى ذات صلة