إمام الدعاة في هذا العصر

راشد الراجح
عضو مجلس الشورى
ورئيس نادي مكة الثقافي الأدب
 
الحمد لله الحي الذي لا يموت القائل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ والقائل: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ الآية، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين القائل: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا، ولكن يقبضه بقبض العلماء الحديث، أو كما قال.. وبعد:
فلا شك أن وفاة الوالد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس مجالس الرابطة، عالم الأمة، وإمام الدعاة في هذا العصر - يرحمه الله - أقول: إنها خسارة عظيمة على العالم الإسلامي كله، فقدْ فقدَ المسلمون شيخا جليلا وعلامة فهامة له باع طويل في علم العقائد وفي علم الحديث والفقه والتفسير وغير ذلك من فروع المعرفة الواسعة، بجانب ما أعطاه الله: من سعة الصدر، وكرم الأخلاق، والسخاء ونبل المشاعر، وعفة النفس، والزهد في مباهج الحياة، وبذل الشفاعة الحسنة لكل من قرع باب جوده، وحبه لفعل الخير، والنصح لكل مسلم.
إن القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن من عرف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز عن قرب يعرف فيه الأخلاق العالية، والتواضع الجم، والحدب على ذوي الحاجات، ومساعدة الفقراء والمساكين، يحب للناس جميعا ما يحبه لنفسه، يقدم النصح لكل كبير وصغير امتدادا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولائمة المسلمين وعامتهم ولقد شرفنا - يرحمه الله - أكثر من مرة في الجامعة بمكة عندما كنت مديرا لها وفي نادي مكة الثقافي وكان آخرها عام 1419هـ، والتقى بالشباب لقاء أبويا اتسم بالصدق والحب والإخلاص كعادته - يغفر الله له - وأوصاهم بتقوى الله، والاستقامة على أمر الله، والجد في طلب العلم النافع، وكأنما كان - يرحمه الله - يودعهم.
ما دخلت داره في أي وقت إلا وجدتها عامرة بالعلماء وطلبة العلم، لا يفارقه الكتاب حتى في التنقل من مكان إلى مكان، مجالسه معطرة بالذكر وقراءة القرآن والكريم والسنة المطهرة والموعظة الحسنة، بعيدا عن الغيبة والنميمة، كأنك تعطيه الذي أنت سائله، جاءه مرة رجل - وأنا في مجلسه - وطلب منه المساعدة.. فأعطاه الشيخ مبلغا طيبا.. ولكن الرجل قال للشيخ: إن هذا لا يكفي حاجتي.. فقال له الشيخ برفق وحنان: خذه وستكون فيه البركة بإذن الله.. ولعل السائل أدرك ما يعني الشيخ فأخذه وانصرف شاكرا، وكان - يرحمه الله - يجيب دعوة محبيه من أصدقائه وطلابه على ما في ذلك أحيانا من المشقة عليه جبرا لخاطرهم، وتكريماً لهم، وكانوا يفرحون بذلك أشد الفرح، وادخال السرور على المسلم فيه أجر عظيم، كان - يرحمه الله - قوي الحافظة، حاضر الذاكرة، حتى وفاته مع أنه - حسب علمي - قد قارب التسعين.. عمراً مديدا قضاه في خدمة العلم وطلابه، وقضاء حوائج المساكين والغرباء، لا يبخل على أحد بعلم أو مال أو شفاعة.
بهذا كله وبغيره من الخصال الحميدة، أحبه الناس جميعا، وترحموا عليه ودعوا الله من قلوبهم أن يتغمده الله بواسع رحمته، وأن يجزل له الأجر والثواب.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا أن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجعل الخير والبركة في أبنائه وذريته، وأن يلهمهم الصبر والاحتساب، ومع أن المصاب جلل.. لكن ما عند الله خير وأعظم، ومن حق كل طالب علم أن يعزي فيه؛ فهو بمثابة والد الجميع وإمامهم في هذا الزمن.
اللهم اغفر له وارحمه، وتجاوز عنه، واخلفنا فيه خيرا.
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [1]
  1. جريدة الجزيرة، الجمعة 28 محرم 1420هـ .