حياة ابن باز من يدوّنـها؟

عبد الوهاب الفايز

في حياة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ جوانب مضيئة، وبالذات إصراره على التفوق رغم ظروفه وظروف بيئته فقد وجد ـ رحمه الله ـ ملاذه في الدين والعلم، وهذه هي التي تصنع القيمة الحقيقية للإنسان وتعطيه أدوات العطاء والتميز.
شيخنا ابن باز ـ رحمه الله ـ لم تـفرش وتبسط له دروب الحياة، ولم يجلس ويتمنى على الله الأماني؛ بل طفق يبحث عن ذاته في ذاته.. وكان أن وجدها في حب الدين وحب العلم، وهكذا أصبح ابن باز مشروع عالم.. وداعية، وهذا وذاك أعطياه التواضع والزهد وحب الناس، وحب كل عمل يـقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
لقد رحل ابن باز وترك وراءه سيرة حياة يتصدرها الكفاح والشقاء.. سيرة غنية بأبعادها الإنسانية، وهذا يجعلنا نتساءل: هل ستـكتب سيرة الشيخ وتـوثق لتكون إضافة إلى رصيد العلماء والمبدعين والمتميزين الذين تعبوا ليصلوا إلى مراتب المبرزين في العمل، والمقدمين في الزهد والتواضع ونكران الذات.
إن سيرة حياة أمثال هؤلاء يتم توثيقها ونشرها لتتوارثها الأجيال وتقدم النموذج والقدوة.. تقدم للأجيال الناشئة لترى كيف يصنع التميز.. وكيف يجعل الإنسان من ذاته البسيطة نهرا متدفقا بالعطاء والعمل، وكيف أن العلم وصناعة العقل ينقلان البسطاء في كل شيء إلى مراتب النبلاء والأخيار.. كما هو شيخنا، رحمه الله.
إن السنين التي عاشها ابن باز كانت حافلة بالكثير من صنوف العطاء.. وهذا ما نتطلع إلى أن يـقدم بصورة أدبية تأخذ حياة الشيخ بأبعادها الإنسانية وتقدمها كقصة حياة في ثناياها الكثير والكثير من صور كفاح الإنسان.. وبالذات إبراز دور الدين والعلم ومدى أهميتهما في صناعة الإنسان.. وفي هذا دروس وعبر للشباب، ولدينا في هذا الجانب أمثال سالفة في حياة كثير من العلماء؛ فعندما رووا حياتهم، قدموا أنموذجا إنسانيا إيجابيا في القدرة على تجاوز ظروف الزمان والمكان.. وكثير منهم خرج من دوائر الفقر وتجاوزها لأنهم اتخذوا سبيل العلم الذي بنى لهم مجدا وجعلهم يدخلون في قائمة المبرزين في التاريخ.
فحياتهم وما فيها تحولت إلى عمل أدبي راق لأنها انعكاس حقيقي لحياة حافلة بصور درامية مأساوية، صور كفاح ودموع وشقاء وخوف وترقب وأمل ورجاء.. وصراع مع الذات والآخر، وظروف الإعاقة، والغربة، ومن ثم صراع مع الأفكار والمواقف وما تجر من تبعات إنسانية، لا تخلو من المأساوية.
وشيخنا ابن باز ـ رحمه الله ـ في حياته التي عاشها ثمة صور جديرة بأن تبقى بيننا، وجديرة بأن تكون مشروعا أدبيا يـوثق قصة إنسان.
إنه مشروع للأجيال القادمة.. ومن مواريث تاريخنا في القرن العشرين، وفي قصة الشيخ ابن باز قصة حياة لكثيرين تصارعوا مع ظروف قاهرة ولكن كانت لهم إرادة.
لعل من بيننا من يخرج ليتبنى هذا المشروع، أي: تسجيل قصة حياة الشيخ ابن باز الإنسان.
ثم أن هناك جوانب أخرى جديرة بالتدوين لإبراز العبرة والقدوة وهي ما تتعلق بالانفتاح الذهني لدى الشيخ رحمه الله، ومثال ذلك تراجعه عن الآراء التي يطرحها في الحياة والكون عندما يرى دليلا واضحا من دين أو علم، وهذا هو نهج العلماء، وهو نهج جدير بأن يدون وينقل لمن هم في بداياتهم، يطلبون العلم ومراتب الدين، ليعلموا كيف يتداول علماء الأمة شؤون العلم والدين بعيدا عن التعصب والانغلاق الفكري والاعتداد بالذات على حساب برهان العلم وحجة الدين ومعطيات العصر.
رحم الله الشيخ ابن باز.. فقد أفضى إلى ما قدم، فقدناه شيخا جليلا وقورا، وفي حياتنا اليوم عندما يرحل الشيوخ الذين عاصروا سنين الغبار والطين والفقر والخوف والتعب تأخذنا المرارة، فرحيل الشيوخ يعني رحيل أشياء كثيرة.. إنهم يأخذون معهم جزءا من ذاتنا وتاريخنا وبقايا صور من حياتنا.. وهذا ما يـوجع القلب، وهو مصدر المرارة التي نتجرعها كلما رحل الكبار الشيبان والعجز في رحلة اللاعودة. [1]
  1. جريدة الرياض، الجمعة 6 صفر 1420هـ .