عمله في القضاء

تولى الشيخ - رحمه الله - القضاء عام 1357هـ، بناءً على اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة سابقًا، حيث كان الشيخ ابن باز ملازمًا له نحو عشر سنوات، مما جعل الشيخ محمد مطمئنًا عندما رشحه للقضاء؛ لأنه لاحظ في سماحته ملامح النجابة وعلو الهمة، وبناء عليه أصدر الملك عبدالعزيز قرارًا بتعين سماحته قاضيًا على الخرج، كان قضاء الخرج متمركزًا في الدلم، ويشمل بلادًا وقرى كثيرة، منها: السيح والسهباء والهياثم ونعام، فأصبحت كلها تتبع سماحة الشيخ وكان عمره وقتئذ لا يتجاوز السابعة والعشرين عامًا. [1]
وقد وافق الشيخ - رحمه الله - على هذا المنصب طاعًة لولاة الأمر؛ مع أنه لم يكن يحب القضاء ولا يرغب فيه، وعندما وصل إلى الدلم قبيل العصر يوم الخميس من شهر شعبان سنة 1357هـ استقبله أمير الدلم ناصر بن سليمان بن ناصر الحقباني - رحمه الله - وجمع غفير من الأهالي استقبلًا يليق بمكانته، فدخل إلى المسجد الكبير وصلى ركعتين تأسيًا بالنبي ﷺ في أسفاره، وبعد الفراغ من التعارف والسؤال عن الأحوال وقف سماحته في الناس خطيبًا، فقال:
"أما بعد، فإنني والله! ثم والله! ثم والله! لا أرغب القضاء، ولا أحب عمل القضاء، وإنما حملني على الموافقة هو أمر الله سبحانه وأمر رسوله بالسمع والطاعة لولاة الأمور" [2]، ثم بدأ يتكلم كعادته في نصح الناس وحثهم على طاعة الله وتقواه، حتى فرغ من المجلس، وقام.
وهذا إن دلَّ فإنما يدل على ورع الشيخ وزهده في المناصب الدنيوية، وقد استمر سماحته في قضاء الخرج أربع عشرة سنة ونيفًا إلى عام 1371هـ ، فكان يجلس كل يوم للقضاء من الضحى إلى صلاة الظهر، وأحيانًا إلى بعد العصر.
"وقد رتب الشيخ دخول الرجال في مجلس القضاء حسب وصولهم إلى المجلس، وأمر بأن لا يدخل عليه أحد حتى يأذن بالدخول، وساعده في ذلك رجال الإمارة آنذاك في تنظيم الدخول.
وقد أدخل السجلات في عمله، بعد أن رتب مجلس القضاء منذ ولي القضاء في الخرج، حيث يسجل له كاتبه في السجلات القضايا ووثائق الأوقاف وغيرها، ثم يعطي صاحب القضية وثيقة بذلك، إذا دعت الحاجة إليه؛ وهذا قبل تأسيس المحكمة الشرعية في الدلم بصورتها الرسمية في عام 1368هـ.
ومن سجية سماحته - رحمه الله - حسن الخلق وانبساط الوجه لكلا الخصمين على السوية فيسوي بينهما في مجلس القضاء، ولا يقدم أحدهما على الآخر، وكان يتثبت من صدق الدعاوى والبينات وغيرها، وقد اتصف ببديهة سريعة ونباهة عالية وصدق مع الله وإخلاص له وتجرد عن حظوظ النفس، مما أورث قناعة الناس بأحكامه ورضاهم بها، حتى إنه في بعض الأحيان بعد الحكم بين الخصمين مباشرة يذهب الخصمان وينفذان ما حكم به لأحدهما على الآخر طواعية دون إكراه، وفي أغلب الأحيان يعرض الصلح على المتخاصمين.
وممن عمل لديه كاتبا إلى جانب طلبه العلم عنده: معالي الشيخ راشد بن صالح بن خنين المستشار بالديوان الملكي، وعضو هيئة كبار العلماء سابقا، ومعالي الشيخ عبد الله المسعري رئيس ديوان المظالم سابقا، والشيخ صالح بن حسين العلي - رحمه الله، والشيخ عبد اللطيف بن شديد - رحمه الله - والشيخ صالح بن عبد العزيز بن هليل - رحمه الله.
ولقد كان سماحته يقوم بأعمال أخرى إلى جانب عمله في القضاء وهي مرتبطة عادة بالقاضي وهي:
  • خطابة الجمعة في الجامع الكبير في الدلم وإمامته.
  • العناية بالمساجد وأئمتها والأوقاف.
  • الاهتمام بالحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • قسمة التركات وتنفيذ الوصايا والولاية على القُصَّر.
  • حفظ الأموال الضالة كالحيوانات.
  • الإفتاء الشرعي في البلد والمملكة عمومًا.
  • عقود الأنكحة". [3]
ومع ذلك لم يأخذ الشيخ - رحمه الله - إجازة من العمل منذ توليه القضاء حتى وفاته!!. [4]
ومما عُرف عنه أنه كان في قضائه وسائر أعماله قويًّا من غير عنف، ولينًا من غير ضعف، وكان ينفذ الأحكام بنفسه حتى على أمراء القرى والوجهاء والأثرياء، وأعطاه الله محبة ومهابة لدي الناس، بحيث كانت أحكامه نافذة على الجميع. [5]
  1. ينظر: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، لعبدالعزيز بن إبراهيم (44-48)، الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف (137).
  2. عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، محمد بن سعد الشويعر (43).
  3. الانجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (ص 138-139).
  4. ينظر: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، لعبدالعزيز بن إبراهيم (48).
  5. المصدر السابق (46).