زيارة القبور والتبرك بمن فيها

يقول السائل: نلمس تركيزكم الكبير على موضوع زيارة القبور والتبرك بمن فيها من أهل الخير، وهم بلا شك فيهم الخير الكثير وخاصة أنههم يعيشون في كنف الله سبحانه وتعالى وهم أقرب إليه من غيرهم؛ لأنهم في حضرته، لكن كثرة كلامكم عن عدم جدواهم جعلتنا نضع عدة أسئلة عندما نريد أن نقوم بزيارة هؤلاء، فنرجو منكم أن تصدقونا القول وفقنا الله وإياكم؛ لأننا نريد إذا لمن نكن على صواب أن نتجنب ما نحن عليه.

السائل مشكور على طلبه الحق، وهذا ما ينبغي لكل مؤمن أن يسأل عما أشكل عليه وألا يبقى على الجهل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[1].

والموتى في القبور أقسام منهم من هو قريب من الله وفي كنف الله مرحوم، وهم أهل التقوى والإيمان، ومنهم المعذب من المغضوب عليه من أهل الكفر والفسق، فليسوا على حد سواء، فالمؤمن الطيب الذي مات على طاعة الله ورسوله على خير عظيم وموعود بالجنة وقبره روضة من رياض الجنة.

أما الذي مات على الكفر بالله كالذين يدعون الأموات ويستغيثون بالأموات ويطلبون منهم المدد فهذا كفر وضلال، وهذا على خطر عظيم، وهو متوعد بالنار والعذاب الأليم لكفره بالله وشركه بالله، وهكذا من مات على المعاصي غير تائب؛ كالذي يموت على الزنا وعقوق الوالدين أو على أكل الربا أو على شهادة الزور أو على شرب الخمور وسرقة أموال الناس ونحو ذلك، فهؤلاء على خطر عظيم من دخول النار، وعلى خطر أن تكون قبورهم حفرة من حفر النار أعوذ بالله.

فليس الموتى على حد سواء، فينبغي أن تعلم أيها السائل أن الأموات أقسام؛ منهم المرضيّ عنه المستقيم الذي مات على تقوى وإيمان هذا له الجنة والكرامة وقبره روضة من رياض الجنة، ومنهم ما ت على الكفر والضلال كالذي يستهزئ بالدين ويسب الدين أو يدع الصلاة أو يسأل الموتى ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد وما أشبه ذلك، هذا من الكفر بالله عزَّ وجلَّ، والكفار متوعدون بالنار إذا ماتوا على كفرهم.

ومنهم من مات على المعاصي وهو مسلم، مثل من مات على شرب الخمر أو مات على الربا أو مات على الزنا أو مات على السرقة أو مات عاقاً لوالديه، هذا على خطر من دخول النار، وإن كان لا يخلد في النار إذا دخلها لكنه على خطر، وعلى خطر من العذاب في قبره بسبب معاصيه، فينبغي لك أن تحذر وأن تكون على بينة.

أما زيارة القبور فهي أقسام؛ إن كانوا مسلمين يزارون للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، وتذكر الآخرة والزهد في الدنيا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين))[2].

وكان يقول: ((اللهم اغفر لأهل البقيع))[3]. فأنت تسأل الله لهم المغفرة والرحمة والعافية إذا زرتهم، أما دعاؤهم تقول: يا سيدي فلان اقض حاجتي اشف مريضي، المدد المدد. فهذا شرك بالله وهذا لا يجوز، وهذا من عمل الجاهلية، من عمل أبي جهل وأشباهه من كفار الجاهلية ومن كفار قريش وأشباههم، الموتى لا يطلب منهم شيء لا يُقال لهم المدد ولا أغيثونا ولا انصرونا ولا اشفوا مرضانا، هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى لا منهم، هو القادر على كل شيء جل وعلا ولا يقال لهم: اشفعوا لنا، لا يطلب منهم هذا، وإنما يستغفر لهم ويدعى لهم بالرحمة والمغفرة، فينبغي أن تعلم ذلك وأن تكون على بينة.

أما الكفار فلا يزارون مثل النصارى، قبور اليهود وقبور النصارى وقبور المشركين الذي يعبدون غير الله ويستغيثون بالأموات وينذرون لهم هؤلاء لا تزار قبورهم، ومن زارها لقصد الاعتبار فلا بأس إذا زارها للاعتبار، أي ليعتبر ويتذكر الآخرة، لكن لا يدعو لهم ولا يترحم عليهم.

وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وهي ماتت على الجاهلية، زار قبر أمه واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام، لكن زارها للاعتبار والذكرى فقط، فإذا زرت القبور قبور الكفار من النصارى وغيرهم للذكرى والاعتبار والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فلا بأس، لكن لا تسلم عليهم ولا تدع لهم.

أما المسلمون فإنه تزار قبورهم ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يُدعون مع الله ولا يُستغاث بهم ولا يُنذر لهم، ولا يُسألون الشفاعة ولا الغوث ولا النصر ولا المدد كل هذا لا يجوز، كل هذا من الشرك الذي حرمه الله وهو من علم أهل الجاهلية.

فينبغي لك أيها السائل أن تحفظ هذا جيداً وأن تبلغه من حولك من جيرانك وأصحابك وجلسائك حتى تكونوا على بينة وعلى بصيرة؛ لأن الله يقول: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[4]، سبحانه وتعالى.

فالموتى لا يُدعَون وهكذا الملائكة وهكذا الأنبياء بعد موتهم، هكذا الكواكب وهكذا الأشجار والأحجار وهكذا الأصنام كلها لا تُدعى من دون الله ولا يُستغاث بها ولا يُنذر لها ولا يُتمسَّح بها، أما النبي الحي والصالح الحي الذي يسمع كلامك لا بأس أن تقول له: اشفع لي ادع الله لي، كما كان الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: اشفع لنا يا رسول الله - في حياته صلى الله عليه وسلم  قبل أن يموت– كان الصحابة يطلبون منه الدعاء والشفاعة عليه الصلاة والسلام، أما بعد الموت فلا.

هكذا الرجل الصالح من إخوانك، صاحب صلاة وصاحب عبادة تقول: ادع الله لي يا أخي. وهو يسمع كلام الحي يطلب من الله لك أن الله يغفر لك، أن يصلح حالك وذريتك فلا بأس بذلك.

المقصود أن الحي الحاضر القادر لا بأس أن تطلب منه ما يستطيع؛ كأن يدعو لك، كأن يقرضك شيئاً من ماله لحاجتك، كأن تعامله في شيء لا بأس بهذه الأمور التي بينك وبين الحي الحاضر القادر.

أما الموتى فلا يُطلب منهم شيء ولا يُسألون ولا يُستغاث بهم، هكذا الجماد كالجبال والأصنام والكواكب وأشباه ذلك لا تُسأل ولا يُستغاث بها، وهكذا الغائبون من الجن والملائكة لا يُسألون ولا يُستغاث بهم، كل هذا من الشرك بالله عزَّ وجلَّ، ولكن تطلب من ربك حاجتك، تسأله سبحانه أن يشفي مريضك وأن ينصرك على عدوك، وتسأله المدد من فضله بالعون والتوفيق والهداية، كل هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى.

رزقنا الله وإياك الاستقامة والبصيرة.