لا بأس بخروج المتمتع إلى جدة وأمثالها ويبقى على تمتعه

السؤال: شخص قصد مكة في أشهر الحج وتمتع بالعمرة إلى الحج، فهل يجوز له الخروج بعد تحلله من العمرة إلى جدة، وإن خرج إليها فهل يسقط عنه دم التمتع، وإذا لم يسقط فهل تكون جدة من حاضر المسجد الحرام؟ وإذا اعتبرت من حاضر المسجد الحرام فهل على من خرج إليها بعد تحلله من عمرته ثم رجع وحج ولم يفد دم آخر لتركه دم التمتع؟

الجواب: لا بأس بخروج المتمتع بعد تحلله من عمرته إلى جدة وغيرها من الحل إذا دعت الحاجة لذلك ويبقى عليه دم التمتع إذا كان قدم مكة بنية الحج؛ لأن الرسول ﷺ وأصحابه لما قدموا مكة لحجة الوداع وأمر من لم يكن معه هدي أن يتحلل ويهدي لم ينههم عن الخروج من الحرم ولم يقل لهم: من خرج من الحرم سقط عنه الهدي، ولو كان ذلك مسقطًا للهدي لبينه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الخروج لابد أن يقع من الناس؛ لكثرتهم وتنوع الحاجات، فلما لم ينبههم على هذا الأمر عُلم أن خروجهم إلى جدة وأشباهها لا يخرجهم عن كونهم متمتعين بالعمرة إلى الحج، وذهب بعض العلماء إلى أن خروج المتمتع من مكة إلى مسافة قصر كجدة والطائف وأمثالهما يخرجه عن كونه متمتعًا ويسقط عنه الدم ويجعل إحرامه بالحج في حكم المفرد، وفي هذا نظر.
والصواب: أن الدم لا يسقط عنه لما تقدم، ولعموم قوله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] ولا أعلم دليلًا شرعيًا يدل على هذا المذهب، لكن ورد عن عمر وابنه رضي الله عنهما في حق من رجع إلى وطنه بعد التحلل من العمرة ثم رجع إلى مكة وأحرم بالحج مفردًا أنه لا دم عليه. ذكر ذلك أبو محمد بن حزم وغيره، وهذا وجهه ظاهر، والقول به قريب لاسيما وهو قول الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه.
وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على وجوب الدم على من اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه مطلقًا ولو سافر إلى وطنه أو غيره، لكن قول الجمهور يوافق ما ورد عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وتقدم أنه قول قريب ووجهه ظاهر ولا مانع من أن يكون مخصصًا لعموم الآية الكريمة السابقة.
ولكن لا ينبغي أن يجعل في حكمه من قدم إلى مكة قاصدًا للحج وهو متمتع بالعمرة إلى الحج ثم خرج لعارض لجدة أو غيرها ولم يرجع إلى وطنه فإن بينهما فرقًا واضحًا. والله المستعان.
وأما اعتبار جدة من حاضر المسجد الحرام إذا قلنا لا يسقط الدم عمن ذهب إليها فليس بظاهر، وليس بين القول بعدم سقوط الدم وبين تحديد المكان الذي يعتبر سكانه من حاضري المسجد الحرام أو ليسوا منهم ارتباط في أصح الأقوال، بل هذه مسألة وهذه مسألة أخرى.
أما ما يجب على من خرج إلى جدة ثم عاد وحج ولم يفد، فالظاهر أنه لا يجب عليه إلا دم واحد وهو دم التمتع، وعليه التوبة والاستغفار عما حصل من التأخير، وأما قول من قال: إن على من أخر دم التمتع حتى خرجت أيام التشريق إما مطلقًا أو بغير عذر دمًا آخر، فلا أعلم له وجهًا شرعيًا يحسن الاعتماد عليه، والأصل براءة الذمة فلا يجوز شغلها إلا بحجة واضحة[1].
 
  1. صدر من مكتب سماحته عندما كان نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية على سؤال مؤرخ في 28/2/1385هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 17/ 98).  
فتاوى ذات صلة