تفسير قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}

السؤال: الرسالة التالية وصلت إلى البرنامج من دمشق وباعثها أحد الإخوة من هناك يقول: أخوكم أحمد الحوري ، أخونا له مجموعة من الأسئلة في سؤاله الأول يقول: قال في كتابه العزيز: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، هل معنى هذا أن الله أمر رسوله ﷺ بأن يحكم بكتاب الله ولا يجتهد رأيه فيما لم ينزل عليه كتاب، وهل اجتهد رسول الله ﷺ؟

الجواب: الله جل وعلا أمره أن يحكم بينهم بما أنزل الله، قال سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، فهو مأمور أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وكان يحكم بينهم بما أنزل الله عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يكن هناك نص عنده اجتهد عليه الصلاة والسلام وحكم بما يظهر له من الأدلة الشرعية، كما قال في الحديث الصحيح: إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليحملها أو ليذرها، فمعنى هذا: أنه قد يجتهد في الحكم؛ لأنه لم ينزل عليه فيه شيء، فمن عرف أن الحكم ليس بمطابق وأن الشهود زور فقد أخذ قطعة من النار، فليحذر ذلك وليتق الله في ذلك، ولو كان الرسول هو الحاكم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحاكم ليس له إلا الظاهر من ثقة الشهود وعدالة الشهود، أو يمين المدعى عليه.
فإذا كان المدعي أحضر شهودًا يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا ثقات يعلم أنهم قد غلطوا وأن الحق ليس له ولكنه كاذب، أو يعلم أنهم شهود زور ولكن القاضي اعتبرهم عدولًا لأنهم عدلوا عنده وزكوا عنده فإن هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله باطل بالنسبة إليه، وهو قد تعدى حدود الله وظلم وإن حكم له القاضي؛ لأن القاضي ليس له إلا الظاهر، ولهذا قال ﷺ: فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعة من النار.
فالنبي ﷺ يحكم بما أنزل الله فيما أوحاه الله إليه، وما لم يكن فيه نص اجتهد فيه عليه الصلاة والسلام حتى يتأسى به الأمة. نعم.

فتاوى ذات صلة